13‏/06‏/2013

قسوت لكي أرحم - بقلم رحاب صبري

خطورة ظاهرة الجماعات الإسلامية :

يؤسفني أن اقول أنه لولا وجود الجماعات و الأحزاب الإسلامية . . لكان الشعب المصري الآن أمة مسلمة متدينة واحدة . . تلفظ كما اعتادت الأفكار الشائهة و الإعلام المأجور لها . . و لكانت هذه الأمة كلها الآن تحمل جميعا هم الدين . . و لما وجدت الفراغات في الصف . . الذي هو صف كل المسلمين . . و ليس صف ما بات يحلو للإعلام أن يسميه نكدا بالإسلاميين ( وذلك إمعانا في تكريس أن من غيرهم من الناس ليسوا بالإسلاميين ) . . و لولا وجود الجماعات الإسلامية لانحاز للشريعة كثير من الشباب . . أعني المخلصين لمصر منهم . . و الذين يحبون دينهم و يرفضون الإخوان . . و الذي يعملون اليوم تحت رايات عمية رغم أنهم لا عذر لهم أمام الله في ذلك . . إذ يستخدمون من حيث لا يشعرون لحرق مصر و تسفك سبب بعضهم الدماء التي حرمها الله . . و هي دماء المسلمين من كل الأطراف , وسيحاسبون على هذا أمام الله . . و لو لا جميع ماسبق للفظ و رفض هذا الشباب المتحمس كل الإيديولوجيات الغريبة عن الإسلام . . و لما كثر المتطرفون سواء من المتحللين و المكفرين . .

و قبل سرد سلبيات الظاهرة و طريقة حلها أقول :


إن انتقادي لظاهرة الجماعات الإسلامية ليس انتقادا لآحاد المتدينين من منتميها و أفرادها ، ولا طعنا في دينهم ، لا تفضيل لغيررالمتدينين عليهم ، أبدا .
فأنا أحسب أنهم كلا منهم ربما كان خيرا من ألف من أمثالي . . و إن كنت أخطئه في الانتماء لجماعة أو تيار . . فأحسب أن عند بعضهم من الفضل وحسن الخلق و الدين ما لو وضع في كفة ووضع خطؤه بالانتماء لجماعة لطاشت كفة الخير بكفة الشر .
كما أنني أشهد أنني أحسبهم من أفضل الناس خلقا و أعظمهم دينا . .و أهلم منهم صوامين قوامين .

غير أنني لا أقصر عليهم دون بقية الأمة مثل هذه الأوصاف من الخير . . و أتمنى لو انتشروا بين الأمة يذكرون الناس بدينهم و يعلمونهم عظمة الشريعة بعيدا عن الحزبية والتعصب لأفراد أو آراء و يدعونهم إلى الإسلام لا إلى جماعة أوحزب . . و لا يستنزفون مجهوداتهم في تبرير أخطاء شخص أو حزب أو جماعة . .
و أقول لهم هم وكل مسلم متدين منتمي أو غير منتمي مصري أو غير مصري عربي أو غير مصري . . و الله " أحبكم في الله "

جانب من خطورة الظاهرة
لقد حرمت ظاهرة الجماعات الإسلامية الأمة من ثراء اختلاف التنوع . . الذي يثري الأمة بالتعاون بين المختلفين شريطة تأدبهم بأدب الخلاف . . و ذلك بسبب تحول خلاف التنوع السائغ و الحتمي في الآراء و الأفكار , إلى تشرذم على الآراء و الأشخاص و الأفكار يتنافس فرقاؤها لينظر كل منهم لنفسه في النهاية على أنه الإسلام . . فلا تستفيد الأمة من تنوع أفكارهم , بل تتراكم مميزات كل فريق في جماعته , التي تحكمها بالآخرين علاقة يغلب عليها البراءة منهم  , فلا يتعاونون إلا تعاونا محدودا إن تعاونوا , فتحرم الأمة من ثراء الاختلاف ليبقى نكد الخلاف .
  و بجانب تضخم مميزات كل فريق  انحسارها فيه (  فما بين علم شرعي في فريق و حسن تنظيم في آخر , و سماحة وجه و لين قول في فريق آخر  ...) , تتراكم في كل طائفة عيوبها حتى يصبح العيب خُلُقاً جماعيا , فما بين ( تساهل و رقة في الدين في البعض و ما بين تشدد في الرأي في البعض الآخر , و استعلاء و تجهم في البعض الثالث  ).



المستقلون والدعوة إلى الإسلام  :

 المستقلون من المسلمين الذين يدعون إلى الدين أهم مايميزهم أنهم عند الناس مظنة التجرد , فهم يدعون لا إلى حزب أو جماعة تتنافس على حشد الأتباع , و لكنهم يدعون إلى الإسلام .

 
و لا ينكر مجهود الجماعات حينا من الدهر إلا جاهل أو متعامي , لكن الإنجاز الأعظم كان للمستقلين - و أكرر - الذين يدعون الناس للإسلام و ليس لجماعة أو حزب , و يشهد بذلك التاريخ .

إذا أخذنا الثلاثين عاما الماضية في مصر كمثال , نجد أمرا عجبا , و هو أن الدعوة إلى الله و التي أثمرت عودة قطاعات عريضة من المصريين إلى معرفة الدين و العقيدة النقية تحمل جل التعريف بها دعاة مستقلون من أمثال الشيخ عمر عبد الكافي و الشيخ حسان و الشيخ أبو إسحق و كذلك عمرو خالد (يوم أن كان داعية ) .

بل حتى على مستوى العالم الإسلامي نجد الشيخ بن باز و الشيخ العثيمين والألباني و غيرهم
.


و من قبلهم محمد شيد رضا رافع لواء العقيدة السلفية في مصر , و الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الحجاز , بل إن الدعوة السلفية قدمت أعظم إسهاماتها يوم أن كان ( دعوة علمية ) قبل أن تصبح جماعة حيث انحسر دورها بنسبة لا تحتاج لنظر .

الحل :

 

عفوا . . لو أحببتم دين الله أكثرمن حبكم لجماعاتكم . . و أنتم عندي إن شاء الله مظنة ذلك . . أعلنوا حل جماعاتكم . . و لا تشكلوا كيانا بديلا . . بل كونوا عواما كعوام نسيج الناس . . و ادعوا أمتكم إلى شيء واحد فقط . . هو ( الإسلام ) السمح الجميل . . الذي لا يعرف التعصب للآراء . . و لا التشنج للأشخاص . . عندئذ ستحمل الأمة كلها هم الدين . . لأنهم سيشعرون أنه بصفتهم (مسلمون ) يجب أن يحملوا همه . . لا يحمله أحد عنهم بالوكالة .

" ملة ابيكم إبراهيم , هو سماكم المسلمين "
" و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا "


أليس العمل المنظم بات ضرورة ؟ 


 إن قيل أن العمل المنظم بات ضرورة و أنه من باب العمل على البر و التقوى . . اقول لك . .
التعاون على البر و التقوى و العمل المنظم لا يعني مخالفة قول الله عز وجل ( و لا تفرقوا ) فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض . . فالتعاون على البر و التقوى . . ليس هو التفرق و التحزب على أساس ( آراء شرعية أو إيديولوجيات أو شخصيات ) حيث أن التجمعات من هذا النوع تؤدي لتكوين عمل جماعي منظم تنظيما صلبا يكون منتميه بطانة من دون المؤمنين . . و يحمل كل أمراض الحزبية و تفريق الأمة .

ولكن ليكون التعاون على ( البر و التقوى ) تعاون على علم الخير المشمول بقوله تعالى ( البر )

و مثاله . . الجمعيات خيرية للعمل الخيري المالي و مساعدة الفقراء و المحتاجين .
جمعيات لدعوة غير المسلمين .
جمعيات لتعليم الناس . .
جمعيات كفالة اليتيم . .
جميعات للدعوة للشريعة . .

و هكذا . . لأن العمل بهذه الطريقة مهما كان منظما فإنه لا يستجلب الولاء و البراء , بل على العكس لا يستجلب نفور الناس من مظاهر الإسلام بسبب نفورهم من شخصيات محسوبة على فصيل ما أو آخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق