29‏/11‏/2021

مقالات عن القرآن - استحالة التحريف عمليا (1) | رحاب صبري

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد  وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ..

إن مجرد الدراسة البحثية العلمية - وليس الدراسة الاجتزائية المبنية على شبهات الطاعنين - و إنما الدراسة التي تشمل كل المصادر و تعطي كل مصدر منها ميزانه العلمي و أولويته التي يقر له بها العقل , لتقدم سيلا من الأدلة العقلية القطعية على سلامة النص القرآني , حتى لو لم يكن الباحث مؤمنا بالله ( و هذا متحقق في أمثلة سوف نشير إليها إن شاء الله تعالى من أعلام دارسي مخطوطات الكتب المقدسة و أعلام في الاستشراق الذين ألحد بعضهم بسبب ما ظهر له من تحريف البايبل مثلا و رغم ذلك هو يشهد ويقر بأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تتوفر له الموثوقية في النقل من عصر محمد صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا), بل إن الأدلة كما سنبين إن شاء الله تشهد على استحالة أي احتمال ممكن لتحريف عبر العصور مض أو آت. عند أي باحث يستوعب المصادر و يعطيها وزنها العلمي ويملك من قو ة العقل و تجرده للحق و تحرره من التحيزات غير العلمية عند وضع الأدلة و البراهين القطعية الثبوت أمامه, دون الظنون و الأوهام.

فالتأمل المبدئي في مجموع الأدلة المتوفرة المستفيضة المتنوعة المصادر و القاضية قطعا بموثوقية و حفظ القرآن أمام حفنة الاستدلالات الواهية التي يتداولها الطاعنون بشكل لا تحتاج لإطالة النظر فيه لتعلم أنها مبتسرة مفتعلة محاطة بكمية من الافتراضات لا دليل لها لا من العقل و لا من التاريخ حتى وصلوا لافتراضات مضحكة يضرب إذا صح أحدها يبطل الآخر , و يرى أن غالبية هذا الأدلة مما لا يصح في ميزان العلم ولا العقل فضلا عن الرواية ..

إن اجترار جميع الطاعنين لها بشكل يجعلهم كأنهم ببغاوات, و محاولة سرد قصص وهمية كثيرة حول كل مروية غير ثابتة يستندون إليها لإرباك المتلقي معرفيا حتى يفقد تركيزه ولا يكتشف أن هذا التهافت و البحث عن الشارد و الوارد و نسج القصص حول الاستدلالات التي هي في غالبها ضعيفة وغير ذلك إنما يشهد بأن القوم لا دليل لهم على الحقيقة... بل هم مجموعة من العجزة الباسين يتلقف بعضهم رجع حلوق بعض و يكرره مضيفا إليه مزيدا من الترهات بغرض الإرباك.

أما بهاء حقيقة أن القرآن لم يحدث له أدنى تحريف لا و يستحيل ((عمليا)) أن يحدث له - فهو أمر أوضح من الشمس في كبد السماء الصافية , بغض النظر عن إيمان الشخص به من عدمه - لولا قنابل دخان الطاعنين و لولا البعد عن الدراسة الشاملة الرصينة غير الاجتزائية.

لذلك و رغم أننا سوف نقدم إن شاء الله في حوارنا هذا عددا كبيرا من الأدلة إلا اننا نبدأ بما يشهد لما قلنا و هو دليل ما آل إليه القرآن في اللحظة الراهنة ثم نعود بالاستدلال في الزمن إلى الوراء .. و دليل اللحظة الراهنة الذي لا يخفى على العيان هو ما نسميه ((وحدة النص القرآني))

مع التأكيد على أننا سوف نناقش أيضا إن شاء الله أدلة أخرى لا تقل قطعية مثل دليل التواتر و شهادات العلم و التاريخ و العقل و المصاحف المخطوطة ابل و شهادات المتخصصين من غير المسلمين بل و من أدلتنا أدلة الطاعنين أنفسهم كما سنبين إن شاء الله تعالى , وسنسوقها إن شاء الله تعالى لاحقا . .

إلا أنه دائما يبقى في كتاب الله في لحظته الراهنة برهان لا يتطلب كل هذا العناء , برهان دون الذهاب بعيدا أو البحث المضنى , . . برهان يصل إليه الإنسان بطريق سالم من المغالطات المنطقية , آمن مطمئن , باعث على اليقين

و هذا المسلك مناسب لطبيعة القرآن الذي أنزل لكل البشر , و ليس فقط للباحثين في المخطوطات و المرويات الخبرية التاريخية . . فكان حريا أن يجد كل منهم طريقه لليقين بسلامة هذا النص الخالد.

و بيان ذلك يتميز القرآن دون عن أي كتاب على وجه الأرض بشهادة الوضع الراهن له شهادة يقينية على سلامته و ثبوت نصه عبر العصور.
==========================
* ما المقصود بوحدة النص القرآني :

إذا نظرنا في حال القرآن اليوم , ثم سألنا أنفسنا أو غيرنا أو أي عاقل . .
" هل يوجد اليوم قرآنان أو أكثر ؟ "

فستأتي الإجابة جامعة قاطعة من المسلم و غير المسلم . . الكبير و الصغير . . العالم و غير العالم . .
" لا . . إنه نص واحد فقط "

نص واحد محفوظ في صدور حفاظ القرآن ( سواء كليا أو جزئيا على اتساع توزيعهم جغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق في كل مكان)
نص واحد محفوظ في المصاحف و المخطوطات ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ )
نص واحد محفوظ و مفسر كلمة كلمة في كتب التفسير و إعراب القرآن ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)
نص واحد يستدل به في كتب الفقه و الحديث و النحو و الأدب وغيرها ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)

و تاج ذلك و قمة روعته في اتفاق ذلك كله معا و اطباقه على نفس النص

إن وحدة النص تلك في حد ذاتها شهادة حاسمة , فليس لدينا للقرآن إلا نصا واحدا , متعارف عليه بين المسلمين على ظهر الأرض , رغم اختلافهم في المذاهب و ربما اختلافا وصل ببعضهم إلى حد الخلاف العقدي .

فالقرآن الذي بين أيدي أهل السنة و القرآن الذي بين المعتزلة و القرآن الذي عند الخوارج و عند الأشاعرة عند الماتريدية ..
و عند كل مسلمي الأرض هو قرآن واحد . .


بل ليس على وجه الأرض حتى عند غير المسلمين قرآنا غير هذا.
رغم حرصهم على الطعن في الإسلام عبر التاريخ , بدء من يهود المدينة , و نصارى نجران , و غيرهم.

لا يوجد إلا قرآن واحد
=============
طيب كيف تكون وحدة النص دليلا على سلامة النص؟

إننا إذا تأملنا المالات الحتمية التي يقود إليها التحريف نجد أنها تقود إلى تعدد النصوص" قطعا "

و يشهد لذلك كما سنبين إن شاء الله :
أولا / العقل بالنظر
ثانيا /بالحس و المشاهدة
ثالثا / التاريخ

فكلها يشهد - كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى -أن التحريف في نص ما مآله الحتمي هو ظهور عدة نصوص متباينة تباينا جوهريا وفاحشا .. و هو ما حدث لكتب أهل الكتاب من قبلنا ..

و لكن التحريف أبدا إبدا لا يستطيع أن يقلب عدة نصوص مختلفة إلى نص واحد أبدا , مهما حدث ,

فلو نظرنا إلى المحاولات الحثيثة التي قام بها أهل الكتابين من قبلنا لتوحيد نصوص كتبهم لوجدنا انها باءت بالفشل الذريع في توحيد النص ليصبح نصا واحدا ..

بل هناك نصوص الاختلافات بين كتبهم تصل إلى ما يعادل عدة أجزاء من القرآن .. نصوص كاملة متمايزة حتى يقال مثلا النص اليوناني للعهد القديم و هو متمايز عن النص العبري الماسوري - ليس تمايز ترجمة .. لا تمايزا يجعله نصا مختلفا إلا من بعض المتشابهات.

أما القرآن فنصه واحد , لا يوجد إلا نصا واحدا معروفا للجميع بتشكيله و مدوده ووقفاته و سكناته و قراءاته , لا يخفى منه على أحد خافية. . نص واحد.

نص واحد على اتساع الجغرافيا طولا و عرضا , في العراق في الشام في أمريكا في الصين في الهند في اليمن . . في كل بقاع الأرض.
نص واحد بعمق التاريخ صعودا و هبوطا , في كل مكان على وجه الأرض.

نص واحد ومن ادعى وجود غيره فليأتنا به .. و لنرى ..

أبدا لم يأت أحد على وجه الأرض بغيره

=============
تجربة ذهنية.

الآن لنتخيل هذه التجربة و نطلب من حضرتكم تسجيل المشاهدة . . ثم الاستنتاج

التجربة :
لنتخيل أنه لسبب ما مسحت كل الكلمات المكتوبة في كل الصحف و الكتب على وجه الأرض . .
و طلبنا من كل كتاب نسخة كاملة مطابقة للنسخة الأصلية . .

ترى أي كتاب يمكن أن حصل عليه من بين كل الكتب المقدسة و غير المقدسة ؟؟

لن تجد إلا القرآن . .
و سوف تأتيك منه ليس نسخة واحدة . . بل مئات الآلاف من النسخ . . المتطابقة . .

و حتى لو كان في أحدها خطأ في كالتابة أو سهو . . سوف تجد مئات الآلاف من النسخ التي يستحيل عقلا أن تشترك ي نفس الخطأ أو السهو . .
إنها العصمة الجماعية التي لا تتوفر إلا للقرآن لتبين لنا مظهر حفظ الإرادة الإلهية للقرآن دونا عن غيره من الكتب , إن العقل السوي ليشهد شهادة من عاين عين اليقين أنه يستحيل عقلا أن يتفق مئات الآلاف من البشر في نفس الخطأ أو في نفس السهو أو أن يتواطؤوا جميعا على تغيير كلمة لا سيما في كتاب أصل إيمانهم قاسم على أنه لا يحرف .. فلو حرفوه بأيديهم لتركوا هذا الإيمان ولافتضح هذا الأمر بين الناس ..

إن التحريف لا يمكن أن يحدث إلا سرا ..

في حالة كتاب مثل القرآن .. لا يوجد نص واحد سري .. لا توجد آية واحدة لا يقرأها و يحفظها مئات الآلاف ..

فكيف يتسرب تغيير في السر إلى أمثال هؤلاء ؟؟!!

كما أنه يستحيل أن يحدث في العلم .. لأن الذي سوف يعلن به سوف يفتضح أمره ولن يقبل ما جاء به بل ولن يتركه المسلمون و أقدس ما في حياتهم ..

إن مثل هذا في حذ ذاته - ووحده - ليكفي لمن كان ذو لب أن يشهد للقرآن بأنه كلام الله تبارك و تعالى , لأن هذا الحفظ لكتاب ليس جهدا بشريا , بل هو مسار قدري إلهي لا تقدر على تقديره إلا قوة إلهية .

و هذا الذي تحدثنا عنه من توافر أعداد غفيرة تحفظ كل آية من كتاب الله .. لهو موجود في كل طبقة و جيل من عصرنا إلى أن نصل إلى عصر النبي صلى الله عليه و سلم ..

و هذا هو الذي وصفه المسلمون اختصارا باسم التواتر .. و هو الذي سوف نتحدث عنه إن شاء الله لاحقا ..

20‏/03‏/2020

سألني عن القرآن فأجبته .. أوهام ملحد حول نعيم الجنة؟؟!!


قال السائل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قام احد الملحدين باثارة شبهة تتعلق بالقرءان الكريم وهي كالتالي :
أن محمد عليه الصلاة السلام أرسل للناس أجمعين ولكن حين نقرأ في القران الكريم نرى أن نعيم اهل الجنة المذكور( الأنهار والفاكهة والحور المقصورات في الخيام والحرير وغيرها ) لا يتعدى أحلام رجل يعيش في الصحراء .
فلو أردنا القول ان هذا النعيم المذكور ذكر بهذه الصورة ليتوافق مع مستوى تفكير القوم الذين أرسل اليهم محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم سننافي القول بان محمد ارسل للناس اجمعين .
تعالى الله عما يقولون
بحثت كثيرا ولم اجد اجابة مقنعة جميعها لا تتعدا كونها اجابات معلبة .

الرد:

أقول مستعينا بالله بعد حمد الله تعالى و الصلاة و السلام على رسوله النبي الأمين

إن هذا التوهم إذا وزناه بميزان العقل فلن يعدو كونه " هاجسا " من باب الهواجس اللاواعية التي تهاجم خواطر الإنسان ثم لا تلبث أن تتبخر وتتلاشى اذا ما أشرقت شمس التفكير المتعقل والفحص المنصبط لها..
وذلك من وجهين
الاول / إثبات خطأ توهم أن هذا مما تتعلق به أحلام البدائيون أو الرجال الذين يعيشون في الصحراء :
إن ما تفضلتم بالسؤال عنه من صور النعيم المادي لو تأملتم - لوجدتم أنه مما تستشرف إليه و تأنس به نفوس البشر جميعا عبر تاريخ البشرية بعمقه, و في كل البيئات الأنثروبولجية باتساعها مهما تنوعت عناصرها الجغرافية و الحضارية وأيا كان تعريفك للحضارة ..
وبلا استشناء لبشري سوي .
فهو نعيم موجه لمركوزات في نفوس البشر جميعا .. وليس خاصا بصحراء او بادية او مدينة او حضر . . او قديم أو حديث
فهل حب الماء البارد مركوز في حياة الصحراوي دون غيره؟؟ . .
أبدا .. هذا أمر بين البطلان ..
ألم يصنع الغربيون مبردات المياه و الثلاجات لأنفسهم ابتداء كرفاهية؟؟ رغم أن درجات الحرارة في عامة بلدانهم ألطف من درجات الحرارة في الصحراء صيفا؟؟
الفاكهة .. و اللبن .. و اللحم .. و الطعام الطيب .. والراحة .. و العسل .. و الخمر المصفى و المبرأ من جوانب الإيذاء و الخبث في خمر الدنيا .. هل هذا مما يحبه الصحراوي دون الحضري أو العربي دون الغربي ؟؟!!
وهل أنس الرجل بالمرأة و ميله إليها و رغبته فيها امر يخص الصحراويين؟؟!!
أعتقد ان قليلا من التامل سوف يدفع عنكم تماما هذا الهاجس دفعا . .
بل وربما تنظرون بغرابة لهذا الهاجس كيف ناقشناه بشيء من الجدية أصلا مع أنفسنا.
النقطة الثانية / أن هذا النعيم الجسدي - و إن لم يكن النعيم الوحيد الموعود به بل هناك أعظم كما سنبين إن شاء الله - إلا أنه أمر ضروري لصلاح الدنيا و تقوى النفوس فيها , كما أنه يناسب عدل الله و حكمته:
وبيان ذلك أن :
(1) هذا النعيم هو عدل من الرب الرحيم ورحمة بالمتقين من عباده الذين حرموا أنفسهم من متع كثيرة استباجها غيرهم ابتغاء وجه الله , ومنهم من ربما مات و لم يحصل هذه المتع مرة في حياته ..
فهذا كان فقيرا لم يستطع أن يتزوج .. و لم ينزلق إلى الزنا ..و ربما مات أعزبا..
و هذا كان فقيرا .. لم يستطيع أن يحصل المال الذي يحوز به النعم المادية التي ربما حازها البعض باكل الحرام.
و هذا مرض مرضا أو هذا شردته الحروب و قصت على ماله و أمنه و بيته .. و مع ذلك لم يبع نفسه للشيطان.

أليس من كمال عدل الله تبارك وتعالى وفضله و رحمته أن يعوضه بنعيم أكمل وأبهى و أنقى من المكدرات الدنيوية..
أم أن يبقى الصالح التقي محروما حرمانا أبديا ونقول له فاتك نعيم الجسد في الدنيا وليس ثمة جزاء من جنس عملك في الآخرة!!

(2) من جهة أخرى فإن هذا يقدم للعبد الصالح عونا في الدنيا على الامتناع عن الحرام و صبرا و هو يرى الفساق يستمتعون استمتاعا وقتيا بفسقهم , بل تراه ينظر بترفع وشفقة إلى من ضيع آخرته بدنيا زائلة.
.. لأنه يعلم أن ما يمنع نفسه عنه من المحرمات سوف يعوضه الله بأفضل منه . . فيمتنع عن الموبقات والسرقة و الزنا واكل أموال الناس فتصلح المجتمعات وتطهر.

ولعل هذا جانب مرتبط من معنى قول الله تعالى
" فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا "
فكما أن خوف العذاب في هذا اليوم عون على صلاح العبد في الدنيا فإن الجنة أيضا و ما فيها من نعيم يعوض الله به المتقين و المظلومين.
النقطة الثالثة: ليس هذا فقط هو النعيم الموعود :
فأمام هذا النعيم الجسدي في الجنة هناك نعيمٌ أعظم, مما يمكن أن نسميه نعيما معنويا أو روحيا لو جازت التسمية و الله أعلم .. كما يأنس البدن بما سبق..
فجعل الله تعالى رضوانه نعيما لهم .. و مغفرته لهم نعيما لهم .. والنظر إليه تعالى نعيما لهم..

يقول الله تعالى :
" وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
((وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)) ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (72)

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ . فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبُّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ : أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ : وَأَيُّ شَيءٍ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً "
متفق عليه

فإن الجنة فيها نعيم الأبدان بلا كدر .. و نعيم الأرواح بلا كدر



هذا و الله أعلم

23‏/02‏/2020

رد على شبهة العول - رحاب صبري

ردا على شبهة العول 
جاءني سؤال عن شبهة حول المواريث مصدره صفحة من صفحات اللادينيين مجملها :

1- أنه عند حساب المواريث لا تستغرق الأنصبة الموروثة الإرث كله , فيكون هناك باقي أو نقص.
2- إدعى الجاهل كاتب الشبهة أن العصبات هي من اختراع الفقهاء لحل هذه المشكلة التي لا توجد إلا في تخاريف أحلامه.

و هنا الرد على الموضوع و هو تحت التعديل فتابعه فضلا كل يوم إن شاء الله حتى أنقحه لأن هذه كتابة سريعة له لم تراجع

خطة الرد
1- مبادئ  مهمة من الوحي في علم المواريث لكي تكتشف بنفسك جهل الكاتب.
2- فضح حقيقة إدعائه على أن العصبات هي مجرد فكرة اخترعها الفقهاء لحل مشكلة وهمية في خياله!!
3- بيان أن الوحي القرآني بين وجود حالات يكون فيها قسم متبقي مما ترك المتوفى بعد توزيع الفرائض,و أن الوحي لم يهدف في كل الحالات لاستغراق الفروض مع كل ما ترك المتوفى دائما.
4- نسف ما ادعاه من عدم وجود دلالة على ميراث البنتين لثلثي ما ترك أبوهما مع عدم وجود ولد , و كذلك ادعاؤه الكاذب أن علماء اللغة ألحقوا المثنى بالجمع كذبا في كلمة " فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك".
5- الرد على جهله في التعامل مع الترجمة الانجليزية للقرآن الكريم.
6- بيان جهله بما ورد في القرآن و السنة من نصوص المواريث لما ادعى انهما نصان فقط!!

و لطول الرد سيكون على حلقات حتى لا يمل القارئ.
و نبدأ بكل من (1) و  (2) معا



 (1) مباديء مهمة لفهم مدى جهل من كتب الشبهة
 و (2) فضح حقيقة إدعائه على أن العصبات هي مجرد فكرة اخترعها الفقهاء لحل مشكلة وهمية في خياله!!

قبل أن نرد على هذه المقطوعة من الجهل و المضحكات . . يجب أن نؤسس ببعض المعلومات المهمة التي هي نصف طريقك لفهم غثائية و عدمية هذا المقال المضحك :
و هما نقطتان( أولا ما أصناف اورثة في الإسلام ؟ )
ثم
( ثانيا/ماهي الأنصبة المفروضة التي نص عليها الشرع و ليس لأحد خق في ابتداع غيرها )
فإلى التفاصيل . .

أولا / الوارثون في الإسلام هم ثلاثة أصناف كما حددتهم نصوص القرآن و السنة ( وليس اجتهادات فقهاء )

1- أصحاب الفروض :
- و هم الذين فرض الله لهم نصيبا أو نسبة معينة حددها في القرآن.
- كما في قوله تعالى  {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
[النساء : 11]
فهنا في هذه الحالة يسمى الأب و الأم ( أصحاب فريضة أي نصيب مفروض من الميراث).

2- العصبة :
- و العصبة هو أقرب رجل ذكر للمتوفى بعد أصحاب الفروض ( ومن يرث معه أو بسببه من الإناث ممن ليس لهم نصيبا محددا ).
- و العصبات ليس لهم نصيبا محددا من التركة بل نصيبهم متغير
بحيث:
أ) إذا انفرد أحدهم و لم يكن هناك معه وارث آخر يرث المال كله.
ب)وإذا كان أحد ذوي الفروض موجودا فإنه يأخذ ما تبقي من التركة بعد ذي الفرض .
جـ)وإذا استغرق أصحاب الفروض الميراث الذي تركه المورث كله لم يرث شيئا.
و الآن . . الصاعقة الأولى على جهل كاتب الشبهة أو تدليسه
حيث نبين أن العصبات ليست من اختراع الفقهاء لحل الأزمة التي اختلقها ذهن الجاهل المركب , و إنما هي من القرآن و السنة الصحيحة وبدون أي أزمة كما سنوضح أكثر إن شاء الله ]
و الكارثة  أنه يدعي أن الفقهاء قد اختلفوا في شأن الاعتراف بالعصبة !!!  علما بأنه لا يوجد أحد من أهل العلم خالف مسألة وجود العصبة أنها ثابتة ( قرآنا و سنة و إجماعا ) و إليك مجرد أمثلة على أدلة ثبوتها

بعض أمثلة أدلة العصبة من القرآن و السنة :


أولا / دليل توريث العصبات من القرآن
أكثر من آية منها قول الله فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن الأولاد الذكور و الإناث اذا اجتمعوا ورثوا تعصيبا بعد أن يأخذ أصحاب الفروض مثل الأب و الزوج أو الزوجة"

ثانيا / من السنة قوله عليه الصلاة والسلام:
"ما أبقت الفروض . .  فلأولى رجل ذكر"
متفق على صحته

و الآن لنستكمل بقية أنواع الوارثين ,و بقي لنا نوع واحد

3- أولو الأرحام:

هم الأقارب ويرثون إذا لم تستغرق الفروض كل التركة و لم يوجد أحد من العصبات يرث الفائض فيرث أولو الأرحام الباقي و هو ما يسمى باسم الرد )

- و دليلهم { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب : 6]


ثانيا/ما هي الأنصبة المفروضة التي نص عليها الشرع و ليس لأحد حق في اختراع غيرها؟ |

الفروض المقدرة التي فرضها الله نصا في القرآن ستة فقط , و لا يجوز لأحد أن يحدث أي فرض غيرها , هي ست فروض (
 الثلثان و النصف و الثلث و الربع و السدس و الثمن ) و ترتيبها التنازلي من الأكبر للأصغر كما يلي ( و هذه نقطة مهمة فيما سنبني عليها فيما يلي إن شاء الله
                         الثلثان 
النصف الثلث الربع السدس الثمن

و الآن إلى الفقرة الثانية في الرد :

الشرح السابق لمن فهمه نسف تقريبا ثلاثة أرباع الشبهة . . وهكذا الجهل كالظلام لا وجود له إلا في غياب نور العلم

ورغم ذلك  نمضي إن شاء الله نفكك هذه الشبهة البائسة إلى النقاط التالية تنسفا نسفها بإذن الله رب العالمين.
و الحمد لله الذي جعل العزة في باب الحجة للمؤمنين و الخزي دائما لأعداء الدين



(3) بيان أن الوحي القرآني بين وجود حالات يكون فيها قسم متبقي مما ترك المتوفى بعد توزيع الفرائض,و أن الوحي لم يهدف في كل الحالات لاستغراق الفروض مع كل ما ترك المتوفى دائما

أولا - إن مجرد اعتقاد أن القرآن أو السنة اشترطا أن مجموع ما سيأخذه الوارثون أصحاب الفرائض  يجب أن يستغرق كل الإرث دائما وفي جميع الحالات , هو افتراض خرافي ناتج عن عدة  أمور :

أ/ اعتقاد ما ليس عليه دليل أصلا من القرآن أو السنة , ثم البناء على هذا الاعتقاد و كأنه ملزم للقرآن و  السنة.

ب/ الجهل بأن هناك وارثون نص عليهم القرآن  و السنة سيرثون ما تبقى من أصحاب الفرائض بحسب كل حالة و خصوصيتها و بتقدير الله وحكمة الله و عدله و هم العصبة و أولو الأرحام كما سبق بيانه.
و هو من مبادئ المواريث التي من يجهلها يعني أنه لم يدرس أصلا شيئا فيها و لم يقرأ القرآن كاملا مرة واحدة.
أما إن كان يعلم فالأمر أخطر , لأنه يدل على أنه مدلس ريد إضلال الناس بالكذب و الباطل

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة          و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم

جـ / التفكير الخرافي  الذي يصطدم مع المنطق و علوم الرياضيات بل و مع مبادئ حساب الكسور التي لا يكاد يجهلها حتى طلاب المراحل المتوسطة فمن المستحيل عقلا أن يتوقع ساذج أنه في هذا العدد غير المحدود من المقادير التي قد تمثل مجموع الإرث لابد أن تفي الكسور بكل الإرث!!! من أين جئت بهذا الفرض؟!

ثانيا / يبدو أن كاتب الشبهة قد ظن كما يظن كثيرون ممن لا علم لهم إلا الظن أن إعجاز المواريث هو في عدم وجود باقي بعد توزيع الفروض!!

بل إن إعجاز المواريث أعظم من هذا بكثير , فمنه ما هو في طريقة ترتيب المقادير لتشمل أكبر عدد ممكن من العلاقات المحيطة بالمتوفى , و ذلك بقانون إلهي مكون من نصوص تكتب في صفحة واحدة, باختصار مدهش يستوعب حالات المواريث بشكل أكثر إدهاشا . . و هو وحي نزل على رجل (((أمي))) صلى الله عليه و سلم.

بينما حينما تتأمل قوانين المواريث في شتى دول العالم التي وضعها ثلة من أساتذة و فقهاء القانون تجد أنها قد كتبت في كل بلد على حدة فيما يتراوح بين مجلد إلى عدة مجلدات!!! وليس فيها مثل إحكام  شمول و عدالة القانون الإسلامي.

ثالثا / مفاجأة عابرة
هل تعلم أنه في حالة وجود باقي مع عدم وجود عصبات أو أولي رحم غير الوارثين فلم يشكل الأمر تلك المشكلة التي اعتقدها الكاتب.
لأنه ببساطة الفقهاء ودون أي معضلة و انطلاقا من القرآن أيضا يقومون بتوزيع الباقي مرة أخرى على نفس أصحاب الفرائض بنفس النسب المقررة في القرآن و كـأنه إرث جديد بحيث لا يبقى شيء و هو ما يسمى الرد
.

أي أنه ليس هناك أزمة أصلا , و لو أن الأمر متروك للفقهاء , فهم قادرون على توزيع ما تبقى بدون الحاجة لاختراع كما ادع الكاتب.
و لكنه الوحي و ليس الاختراع.

رابعا / ادعاؤه أن العصبات هو حل اخترعه الفقهاء لتلك المشكلة الوهمية السراب التي تخيلها في النقطة السابقة ,و وزاد الطين بلة بادعائه أنه ليس محل إجماع!!!!!

و هذا بيناه بشكل مفصل في الجزء الأول من الرد  رقم (1) و (2) أثبتنا بالنصوص أن مصدره القرآن و السنة الصحيحة فلن نكرر الكلام فيه.