29‏/11‏/2021

مقالات عن القرآن - استحالة التحريف عمليا (1) | رحاب صبري

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد  وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ..

إن مجرد الدراسة البحثية العلمية - وليس الدراسة الاجتزائية المبنية على شبهات الطاعنين - و إنما الدراسة التي تشمل كل المصادر و تعطي كل مصدر منها ميزانه العلمي و أولويته التي يقر له بها العقل , لتقدم سيلا من الأدلة العقلية القطعية على سلامة النص القرآني , حتى لو لم يكن الباحث مؤمنا بالله ( و هذا متحقق في أمثلة سوف نشير إليها إن شاء الله تعالى من أعلام دارسي مخطوطات الكتب المقدسة و أعلام في الاستشراق الذين ألحد بعضهم بسبب ما ظهر له من تحريف البايبل مثلا و رغم ذلك هو يشهد ويقر بأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تتوفر له الموثوقية في النقل من عصر محمد صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا), بل إن الأدلة كما سنبين إن شاء الله تشهد على استحالة أي احتمال ممكن لتحريف عبر العصور مض أو آت. عند أي باحث يستوعب المصادر و يعطيها وزنها العلمي ويملك من قو ة العقل و تجرده للحق و تحرره من التحيزات غير العلمية عند وضع الأدلة و البراهين القطعية الثبوت أمامه, دون الظنون و الأوهام.

فالتأمل المبدئي في مجموع الأدلة المتوفرة المستفيضة المتنوعة المصادر و القاضية قطعا بموثوقية و حفظ القرآن أمام حفنة الاستدلالات الواهية التي يتداولها الطاعنون بشكل لا تحتاج لإطالة النظر فيه لتعلم أنها مبتسرة مفتعلة محاطة بكمية من الافتراضات لا دليل لها لا من العقل و لا من التاريخ حتى وصلوا لافتراضات مضحكة يضرب إذا صح أحدها يبطل الآخر , و يرى أن غالبية هذا الأدلة مما لا يصح في ميزان العلم ولا العقل فضلا عن الرواية ..

إن اجترار جميع الطاعنين لها بشكل يجعلهم كأنهم ببغاوات, و محاولة سرد قصص وهمية كثيرة حول كل مروية غير ثابتة يستندون إليها لإرباك المتلقي معرفيا حتى يفقد تركيزه ولا يكتشف أن هذا التهافت و البحث عن الشارد و الوارد و نسج القصص حول الاستدلالات التي هي في غالبها ضعيفة وغير ذلك إنما يشهد بأن القوم لا دليل لهم على الحقيقة... بل هم مجموعة من العجزة الباسين يتلقف بعضهم رجع حلوق بعض و يكرره مضيفا إليه مزيدا من الترهات بغرض الإرباك.

أما بهاء حقيقة أن القرآن لم يحدث له أدنى تحريف لا و يستحيل ((عمليا)) أن يحدث له - فهو أمر أوضح من الشمس في كبد السماء الصافية , بغض النظر عن إيمان الشخص به من عدمه - لولا قنابل دخان الطاعنين و لولا البعد عن الدراسة الشاملة الرصينة غير الاجتزائية.

لذلك و رغم أننا سوف نقدم إن شاء الله في حوارنا هذا عددا كبيرا من الأدلة إلا اننا نبدأ بما يشهد لما قلنا و هو دليل ما آل إليه القرآن في اللحظة الراهنة ثم نعود بالاستدلال في الزمن إلى الوراء .. و دليل اللحظة الراهنة الذي لا يخفى على العيان هو ما نسميه ((وحدة النص القرآني))

مع التأكيد على أننا سوف نناقش أيضا إن شاء الله أدلة أخرى لا تقل قطعية مثل دليل التواتر و شهادات العلم و التاريخ و العقل و المصاحف المخطوطة ابل و شهادات المتخصصين من غير المسلمين بل و من أدلتنا أدلة الطاعنين أنفسهم كما سنبين إن شاء الله تعالى , وسنسوقها إن شاء الله تعالى لاحقا . .

إلا أنه دائما يبقى في كتاب الله في لحظته الراهنة برهان لا يتطلب كل هذا العناء , برهان دون الذهاب بعيدا أو البحث المضنى , . . برهان يصل إليه الإنسان بطريق سالم من المغالطات المنطقية , آمن مطمئن , باعث على اليقين

و هذا المسلك مناسب لطبيعة القرآن الذي أنزل لكل البشر , و ليس فقط للباحثين في المخطوطات و المرويات الخبرية التاريخية . . فكان حريا أن يجد كل منهم طريقه لليقين بسلامة هذا النص الخالد.

و بيان ذلك يتميز القرآن دون عن أي كتاب على وجه الأرض بشهادة الوضع الراهن له شهادة يقينية على سلامته و ثبوت نصه عبر العصور.
==========================
* ما المقصود بوحدة النص القرآني :

إذا نظرنا في حال القرآن اليوم , ثم سألنا أنفسنا أو غيرنا أو أي عاقل . .
" هل يوجد اليوم قرآنان أو أكثر ؟ "

فستأتي الإجابة جامعة قاطعة من المسلم و غير المسلم . . الكبير و الصغير . . العالم و غير العالم . .
" لا . . إنه نص واحد فقط "

نص واحد محفوظ في صدور حفاظ القرآن ( سواء كليا أو جزئيا على اتساع توزيعهم جغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق في كل مكان)
نص واحد محفوظ في المصاحف و المخطوطات ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ )
نص واحد محفوظ و مفسر كلمة كلمة في كتب التفسير و إعراب القرآن ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)
نص واحد يستدل به في كتب الفقه و الحديث و النحو و الأدب وغيرها ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)

و تاج ذلك و قمة روعته في اتفاق ذلك كله معا و اطباقه على نفس النص

إن وحدة النص تلك في حد ذاتها شهادة حاسمة , فليس لدينا للقرآن إلا نصا واحدا , متعارف عليه بين المسلمين على ظهر الأرض , رغم اختلافهم في المذاهب و ربما اختلافا وصل ببعضهم إلى حد الخلاف العقدي .

فالقرآن الذي بين أيدي أهل السنة و القرآن الذي بين المعتزلة و القرآن الذي عند الخوارج و عند الأشاعرة عند الماتريدية ..
و عند كل مسلمي الأرض هو قرآن واحد . .


بل ليس على وجه الأرض حتى عند غير المسلمين قرآنا غير هذا.
رغم حرصهم على الطعن في الإسلام عبر التاريخ , بدء من يهود المدينة , و نصارى نجران , و غيرهم.

لا يوجد إلا قرآن واحد
=============
طيب كيف تكون وحدة النص دليلا على سلامة النص؟

إننا إذا تأملنا المالات الحتمية التي يقود إليها التحريف نجد أنها تقود إلى تعدد النصوص" قطعا "

و يشهد لذلك كما سنبين إن شاء الله :
أولا / العقل بالنظر
ثانيا /بالحس و المشاهدة
ثالثا / التاريخ

فكلها يشهد - كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى -أن التحريف في نص ما مآله الحتمي هو ظهور عدة نصوص متباينة تباينا جوهريا وفاحشا .. و هو ما حدث لكتب أهل الكتاب من قبلنا ..

و لكن التحريف أبدا إبدا لا يستطيع أن يقلب عدة نصوص مختلفة إلى نص واحد أبدا , مهما حدث ,

فلو نظرنا إلى المحاولات الحثيثة التي قام بها أهل الكتابين من قبلنا لتوحيد نصوص كتبهم لوجدنا انها باءت بالفشل الذريع في توحيد النص ليصبح نصا واحدا ..

بل هناك نصوص الاختلافات بين كتبهم تصل إلى ما يعادل عدة أجزاء من القرآن .. نصوص كاملة متمايزة حتى يقال مثلا النص اليوناني للعهد القديم و هو متمايز عن النص العبري الماسوري - ليس تمايز ترجمة .. لا تمايزا يجعله نصا مختلفا إلا من بعض المتشابهات.

أما القرآن فنصه واحد , لا يوجد إلا نصا واحدا معروفا للجميع بتشكيله و مدوده ووقفاته و سكناته و قراءاته , لا يخفى منه على أحد خافية. . نص واحد.

نص واحد على اتساع الجغرافيا طولا و عرضا , في العراق في الشام في أمريكا في الصين في الهند في اليمن . . في كل بقاع الأرض.
نص واحد بعمق التاريخ صعودا و هبوطا , في كل مكان على وجه الأرض.

نص واحد ومن ادعى وجود غيره فليأتنا به .. و لنرى ..

أبدا لم يأت أحد على وجه الأرض بغيره

=============
تجربة ذهنية.

الآن لنتخيل هذه التجربة و نطلب من حضرتكم تسجيل المشاهدة . . ثم الاستنتاج

التجربة :
لنتخيل أنه لسبب ما مسحت كل الكلمات المكتوبة في كل الصحف و الكتب على وجه الأرض . .
و طلبنا من كل كتاب نسخة كاملة مطابقة للنسخة الأصلية . .

ترى أي كتاب يمكن أن حصل عليه من بين كل الكتب المقدسة و غير المقدسة ؟؟

لن تجد إلا القرآن . .
و سوف تأتيك منه ليس نسخة واحدة . . بل مئات الآلاف من النسخ . . المتطابقة . .

و حتى لو كان في أحدها خطأ في كالتابة أو سهو . . سوف تجد مئات الآلاف من النسخ التي يستحيل عقلا أن تشترك ي نفس الخطأ أو السهو . .
إنها العصمة الجماعية التي لا تتوفر إلا للقرآن لتبين لنا مظهر حفظ الإرادة الإلهية للقرآن دونا عن غيره من الكتب , إن العقل السوي ليشهد شهادة من عاين عين اليقين أنه يستحيل عقلا أن يتفق مئات الآلاف من البشر في نفس الخطأ أو في نفس السهو أو أن يتواطؤوا جميعا على تغيير كلمة لا سيما في كتاب أصل إيمانهم قاسم على أنه لا يحرف .. فلو حرفوه بأيديهم لتركوا هذا الإيمان ولافتضح هذا الأمر بين الناس ..

إن التحريف لا يمكن أن يحدث إلا سرا ..

في حالة كتاب مثل القرآن .. لا يوجد نص واحد سري .. لا توجد آية واحدة لا يقرأها و يحفظها مئات الآلاف ..

فكيف يتسرب تغيير في السر إلى أمثال هؤلاء ؟؟!!

كما أنه يستحيل أن يحدث في العلم .. لأن الذي سوف يعلن به سوف يفتضح أمره ولن يقبل ما جاء به بل ولن يتركه المسلمون و أقدس ما في حياتهم ..

إن مثل هذا في حذ ذاته - ووحده - ليكفي لمن كان ذو لب أن يشهد للقرآن بأنه كلام الله تبارك و تعالى , لأن هذا الحفظ لكتاب ليس جهدا بشريا , بل هو مسار قدري إلهي لا تقدر على تقديره إلا قوة إلهية .

و هذا الذي تحدثنا عنه من توافر أعداد غفيرة تحفظ كل آية من كتاب الله .. لهو موجود في كل طبقة و جيل من عصرنا إلى أن نصل إلى عصر النبي صلى الله عليه و سلم ..

و هذا هو الذي وصفه المسلمون اختصارا باسم التواتر .. و هو الذي سوف نتحدث عنه إن شاء الله لاحقا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق