10‏/03‏/2013

رحاب صبري يكتب : جولة في جنة الحمد


هذا تدبر في قول الله تعالى " الحمد لله رب العالمين " , مصدره كتب التفاسير , لم أذكر فيه شيئا من عندي نفسي إلا ترتيبها في شكل شيق و منظم حتى تعم الفائدة , و عزوت لكتب التفسير التي استندت إليها , و ما لم أعزه لمصدره ذكرت اسم المفسر و يكون ما نقلته عندئذ هو تعليق المفسر على قول الله " الحمد لله رب العالمين "
 
مسائل في قول الله تعالى ( الحمد لله ) رب العالمين :
·         الحمد : هو الثناء على جميل الصفات و الأفعال - و يكون باللسان وحده .[1]
أي أنه ( الثناءُ على الجميل سواءً كان نعمةً مُسْداةً إلى أحدٍ أم لا )
و قال السعدي رحمه الله (هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه.)

·         فائدة من كلام الشعراوي رحمه الله :
" فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته ، ومحمود لنعمه ، ومحمود لرحمته ، ومحمود لمنهجه ، ومحمود لقضائه ، الله محمود قبل ان يخلق من يحمده . ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله .
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات . . تعد كلمات الشكر والثناء ، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس . حتى تصل الى قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر . ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى ، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما : الحمد لله . "

ثم يقول " ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد ، لان الله أنزل منهجه ليرينا طريق الخير ويبعدنا عن طريق الشر .
فمنهج الله الذي أنزله على رسله قد عرفنا ان الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا . . فدقة الخلق وعظمته تدلنا على أن هناك خالقاً عظيماً . . ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو ، ولا ماذا يريد منا . ولذلك أرسل الله رسله ، ليقولوا لنا إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله تبارك وتعالى وهذا يستوجب الحمد .
ومنهج الله بين لنا ماذا يريد الحق منا ، وكيف نعبده . . وهذا يستوجب الحمد . ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا اسلوب حياتنا تشريعاً حقاً . . فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا . . ولا يفضل أحداً على احد إلا بالتقوى ، فكلنا خلق متساوون أمام الله جل جلاله . .
إذن : فشريعة الحق ، وقول الحق ، وقضاء الحق ، هو من الله ، أما تشريعات الناس فلها هوى ، تميز بعضا عن بعض . . وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين ، لذلك نجد في كل منهج بشرى ظلما بشريا . "


·         الطبري
" الحمد لله " ثناء أثنى به الله تعالى على نفسه و في ضمنه يأمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله .

·         يقول الجزي :
اختلف هل أوّل الفاتحة على إضمار القول تعليماً للعباد : أي قولوا : الحمد لله ، أو هو ابتداء كلام الله ، ولا بدّ من إضمار القول في { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } وما بعده .

الفرق بين الحمد و الشكر
الحمد هو الثناء ( باللسان فقط ) على المحمود لصفاته الملازمة له و أفعاله المتعدية بالخير إلى غيره .

أما الشكر فهو الثناء ( بالقلب و اللسان و الأركان ) على الأفعال المتعدية بالخير لغيره فقط .
أفادتكم النعماء منّي ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبّا

والحمد نقيضه الذمّ ، والشكر نقيضه الكفران

·         لذا فالثناء أعم من حيث السبب و الابتداء:
 لأن الحامد ( مثن بالصفات و شاكر للأفعال ) و أعم من حيث الابتداء ( فهو يكون سببي إذا كان بسبب نعمة أو ثناء ابتدائي وربما كان ذلك استجلابا للنعمة كما هو الحال عند الثناء الله قبل الدعاء ) .

و من تدبر عموم الحمد لله وجد أنه قول ( الحمد لله ) قول غاية في البلاغة لأنه :
1- يقتضي الثناء عليه  بكل أسمائه الحسنى ما علمنا منها و ما لم نعلم و صفاته العلى .
2- يسع شكر الله والثناء عليه بكل نعمه ورحماته التي أنزلها على العبد خاصة و على كل الخلق عامة , سواء كنت دينية أو دنيوية أو أخروية .
و ربما غير ذلك كثير و الله أعلم
( يقول بن الجزي: فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات ، واتفق دون عدّهَ عقول الخلائق ، ويكفيك أن الله جعلها أوّل كتابه ، وآخر دعوى أهل الجنة .)

·         أما الشكر فأعم من حيث الآلة :
 أي وسيلة الثناء فالشكر أعم ( لأن الشكر يكون باللسان مثل الحمد بالإضافة إلى الشكر بالقلب و الجوارح ).

يقول بن جزي :
النعم التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام :
1-      نعم دنيوية : كالعافية والمال .
2-      نعم دينية : كالعلم ، والتقوى .
3-      ونعم أخروية : مثل الجزاء بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير .
الفرق بين الحمد و المدح
الحمد متعلق بالأحياء , بينما المدح قد يتعلق بالأحياء أو الجمادات [2]
( فتقول مثلاً مدح السائق سيارته , و لا تقول حمدها ) .


مناظرة بين الطبري من جهة و ابن كثير و القرطبي من جهة
يرى الطبري أن الحمد و المدح ينزل كل منهما مقام الآخر , أي أنهما مترادفان .

ابن كثير :
يرد على ابن جرير الطبري في مسالة إنزال الحمد محل الشكر و العكس بأن فيه نظر و أرجع ذلك إلى ما حرره المتأخرون بأن :
الحمد هو الثناء ( باللسان ) على المحمود لصفاته اللازمة و المتعدية .
أما الشكر فهو الثناء ( بالجنان و اللسان و الأركان ) على الصفات المتعدية فقط .
أي أن بينهما علاقة عموم و خصوص .
القرطبي :
قال القرطبي : وما ذهب إليه الطبري ليس بمرضي ، لأن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكرُ ثناءٌ على الممدوح بما أولى من الإحسان ، وعلى هذا يكون { الحمد } أعمّ من الشكر .




[1] تفسير البحر المحيط - لأبي حيان الأندلسي .
[2] تفسير البحر المحيط - لأبي حيان الأندلسي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق