وحدة الوجود في الظلال
تنبيه:
هذا البحث وما فيه متعلق فقط بقضية وحدة الوجود في كتاب في ظلال القرآن , و ليس متعلقا ببقية الإشكالات التي وقع فيها مؤلف الظلال غفر الله له , و التي تحدث عنها أهل العلم , و نؤكد على أنه لا ينصح بمطالعة كتاب في ظلال القرآن إلا المتخصصين وطلاب العلم الذين لديهم من العلم و الملكة النقدية ما يمكنهم من تمييز الجيد النافع من الكلام الفضفاض الذي يقود إلى مفاهيم مغلوطة , والأخطاء التي تتخطى حدود المقبول.
مقدمة
تم تكليفي بعمل هذا المقال البحثي تبعا لمادة " مناهج المفسرين " على هامش دراستنا للمقرر الذي تضمن مناهج المفسرين من شتى الفرق من أصحاب التفاسير الأشهر و الأكثر تأثيرا و حضورا في تاريخ تفسير القرآن , و كان تفسير الظلال حاضرا بطبيعة الحال في تفاسير العصر الحديث مع تفسيري السعدي و أضواء البيان للشنقيطي.
و كان سؤال البحث هو هل قال سيد قطب في ظلاله بوحدة الوجود أم لا ؟
ولأن البحث العلمي أمانة و شهادة , حاولت التجرد فيه قدر استطاعتي من ذلك الحاجز النفسي الذي يقف بيني وبين كتابات سيد قطب غفر الله له بسبب ما لي عليها من تحفظات , ليس هذا أوان استحضارها.
لذا استحضرت أن الرجل رحمه الله و غفر الله أفضى إلى ماقدم , و أنه ما أكتبه عنه الآن شهادة أعوذ بالله أن يحركني فيها مشاعري تجاه كتاباته , و أنه إن كان أخطأ فكلنا ذو خطأ , أضف إلى ذلك ما يجب أن يتحلى به الباحث من معاني التحرر من الذاتية.
لم يكن لدي متسع من الوقت للبحث كثيرا , لذا فإنني أعتبر هذا البحث " نواة " بحثية أنوي إن شاء الله تطويرها لاحقا.
و أعدك قاريء بحثي هذا أن لا تشعر في بحثي هذا إن شاء الله إلا بحياد الحاسوب , و برد أدوات تشخيص الطبيب.
و الله المستعان و عليه التكلان و منه العفو و الغفران و نسأله التوفيق.
مشكلة البحث
العبارات الموحية بوحدة الوجود في ظلال القرآن . . هل هي تصوير بلاغي أدبي أم أنها اعتقاد حقيقي عن سيد قطب.
بعض العبارات التي قالها سيد قطب و التي يفهم منها القول لوحدة الوجود:
1) في تفسير قوله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3]
يقول " ويتلفّت القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله... فهذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده، وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتية، ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود".[1]
و نحوها
العبارات الموحية بوحدة الوجود في ظلال القرآن . . هل هي تصوير بلاغي أدبي أم أنها اعتقاد حقيقي عن سيد قطب.
بعض العبارات التي قالها سيد قطب و التي يفهم منها القول لوحدة الوجود:
1) في تفسير قوله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3]
يقول " ويتلفّت القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله... فهذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده، وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتية، ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود".[1]
و نحوها
2) و في تفسير سورة الإخلاص: " إنها أحدية الوجود، فليس
هناك حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود إلا وجوده ..".
و " .. ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها، وهذه درجة يرى القلب فيها يد الله في كل شيء، ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله؛ لأنه لا حقيقة هناك تراها إلا حقيقة الله "
ويقول: " من هنا الحقيقة الواحدة أو أحدية الوجود ينبثق
منهج كامل للحياة... منهج لعبادة الله وحده الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده...
ومنهج للتلقي عن الله وحده؛ فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة
المفردة في الواقع والضمير... ومنهج يربط ـ مع هذا ـ بين القلب البشري
وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاذب... فكلها خارجة من يد الله
وكلها تستمد وجودها من وجوده، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة فكلها إذن حبيب؛
إذ هي هدية من الحبيب"[2]
التعليق على هذا الأقوال:
حينما قرأت هذه الأقوال لأول مرة و أنا أبحث عن عبارات ذات صلة وحدة الوجود , لم أجد بدا من أن أكاد أن أجزم أن سيد قطب يؤمن فعلا بعقيدة وحدة الوجود , و لعلك عزيزي القاريء تشاركني الآن مثل هذا الشعور.
غير أنني و بما يمليه علي حق الإسلام , ثم بعقلية البحث و بتطبيق مباديء البحث العلمي أعلم جيدا أن مثل هذا الحكم هو حكم معيب لعدة أسباب:
(1) لأنني انطلقت فيه من البحث عن معنى قيل لي مسبقا أنه ثابت في حق الرجل , فإن قبلت هذه النتيجة و انطلقت منها فقد ابتدأت البحث من حيث يجب أن أنهيه , ابتدأته بنتيجة و بحثت عما يؤيدها , و هذا ليس بحثا علميا , بل هو أقرب إلى تلفيق النتائج.
(2) لأن لي موقف رافض لأفكار سيد قطب , و له أخطاء ثابتة و مرفوضة بشدة عندي لا تحتاج إلى بحث غفر الله له , لكن ليس منها مسألة نسبته إلى القول بوحدة الوجود لا تحتاج إلى بحث لبيانها.
ولو انطلقت من هذا الموقف ألصقت به ما ليس فيه فأنا قبل أن أخالف دين الله تبارك و تعالى باتهام بريء بما ليس فيه , و بما ربما يرقى إلى شهادة زور , و افتراء على مسلم أفضى إلى ما قدم.
(3) لأنني يجب أن أرجع أولا إلى مقولات أصحاب وحدة الوجود تفصيليا و أراجعها, ثم اقارنها بما يقول صاحب الظلال , لأعرف موقعه منها.
(4) لأن القول بوحدة الوجود ليس مثل أي خطأ آخر لصاحب الظلال , نتج عن عدم اشتغاله بالعلم الشرعي و اعتماده على حاسته الأدبية و حماسته المتوقدة للدين و محصوله اللغوي.
فالأخطاء السابقة و إن كانت عظيمة لكنها لا تخرجه من الإسلام و ندعو الله أن يغفرها له , لكن نسبته إلى وحدة الوجود هي ببساطة مشروع اتهام للرجل بالخروج من الإسلام.
(5) لأن الرجل لم يكن ذلك الذي يخفي ما يعتقد أو يهاب التصريح به , فلو كان يعتقد في صحة الوجود لوجدته مصرحا بذلك داعيا إليه , مستميتا في الدفاع عنه بجلد , فهذه دأبه في كتاباته, و لن يكون الأمر أبدا مجرد عبارات عابرة تذكر في موضعين أو ثلاثة في كتابة , بشكل يحمل لقوة أن يكون أسلوبا أدبيا في التعبير عن أن الله عز وجل هو مصدر وجود الكائنات فلا وجود إلا به و هذا لا يختلف عليه مسلم.
لذا حق علينا أن نراجع ضوابط و اعتقادات من يؤمنون بوحدة الوجود . . ثم نعود لقراءة عبارات سيد قطب المذكورة آنفا مرة أخرى
لذا تعمدت أن أذكر الجمل التي أدت إلى الاشتباه بأنه من أصحاب وحدة الوجود , ثم أنطلق بك عزيزي القاريء لنستكشف سويا أصول وحدة الوجود , ثم نعود لننظر مرة أخرى في الجمل المذكورة آنفا و نحللها لننظر أين نحن ؟
كذلك فإن الإنصاف يقتضي أن نذهب لنقرأ في بقية ما كتب الرجل لنجد ما يرجح لنا أحد طرفي الظن أو الاحتمال على الآخر . .
و الآن إلى الى استكشاف أصول عقيدة وحدة الوجود . .
ما هي عقيدة وحدة الوجود ؟
تاريخيا " فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين و التلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي. ا.هـ"[3]
و في تاريخ الفكر الإسلامي يمكن توصيفها على أنها " مذهب فلسفي قديم اعتنقه و نادى به و أدخله إلى الفكر الإسلامي ابن عربي الحاتمي الأندلسي[4] وتعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والإبداع, وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه ، لأنه موجود أولا بنفسه ، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية وبناء على هذا ، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله ، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات ، إلا بضرب من التوسع والمجاز, وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ، ومنه تستمد الحياة والوجود ؛ ولهذا كان وجودها عرضا و بالتبع "[5]
ففي مقابل ( لا إله إلا الله ) و التي تعني لا معبود بحق إلا الله . . فأن مقولة وحدة الوجود هي " لا موجود إلا الله "[6]
إن مصطلح وحدة الوجود، يعني في العقيدة الصوفية أنه ليس هناك موجود إلا الله . .
ففي مقابل شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله ) يقول منظر وحدة الوجود في التاريخ الإسلامي ابن عربي (لا موجود إلا الله )
فكل ما نراه من موجودات هي ليست موجودات مغايرة عن الوجود الإلهي أصلا . . و لكنها ظواهر تمثل مظاهر حقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً). .
فليس هذا الكون - في زعمهم بشكله المثالي - إلا الله تعالى الله عن ذلك , و كل ما عداه هو مظاهر و فيوضات.[7]
ففي الوقت الذي يجعل فيه المسيحيون من المؤمنين بالطبيعة الواحدة الآب و الابن و الروح القدس ثلاث مظاهر للإله الواحد على زعمهم , تجعل وحدة الوجود كل شيء في الكون إلها - سبحان الله عن ذلك- لأنه لا وجود لشيء عندهم في الكون إلا الإله.
فلا نجاسات عندهم و لا حرمات و لا أشخاص و لا عباد و لا معبود . . فالعبد هو المعبود و المعبود هو العبد اللهم نبرأ أليك من كفرهم.
و على ذلك
فإن أهم ما يميز جوهر وحدة الوجود هو عدم وجود اختلاف أو تباين بين الخالق و المخلوق . .
حينما قرأت هذه الأقوال لأول مرة و أنا أبحث عن عبارات ذات صلة وحدة الوجود , لم أجد بدا من أن أكاد أن أجزم أن سيد قطب يؤمن فعلا بعقيدة وحدة الوجود , و لعلك عزيزي القاريء تشاركني الآن مثل هذا الشعور.
غير أنني و بما يمليه علي حق الإسلام , ثم بعقلية البحث و بتطبيق مباديء البحث العلمي أعلم جيدا أن مثل هذا الحكم هو حكم معيب لعدة أسباب:
(1) لأنني انطلقت فيه من البحث عن معنى قيل لي مسبقا أنه ثابت في حق الرجل , فإن قبلت هذه النتيجة و انطلقت منها فقد ابتدأت البحث من حيث يجب أن أنهيه , ابتدأته بنتيجة و بحثت عما يؤيدها , و هذا ليس بحثا علميا , بل هو أقرب إلى تلفيق النتائج.
(2) لأن لي موقف رافض لأفكار سيد قطب , و له أخطاء ثابتة و مرفوضة بشدة عندي لا تحتاج إلى بحث غفر الله له , لكن ليس منها مسألة نسبته إلى القول بوحدة الوجود لا تحتاج إلى بحث لبيانها.
ولو انطلقت من هذا الموقف ألصقت به ما ليس فيه فأنا قبل أن أخالف دين الله تبارك و تعالى باتهام بريء بما ليس فيه , و بما ربما يرقى إلى شهادة زور , و افتراء على مسلم أفضى إلى ما قدم.
(3) لأنني يجب أن أرجع أولا إلى مقولات أصحاب وحدة الوجود تفصيليا و أراجعها, ثم اقارنها بما يقول صاحب الظلال , لأعرف موقعه منها.
(4) لأن القول بوحدة الوجود ليس مثل أي خطأ آخر لصاحب الظلال , نتج عن عدم اشتغاله بالعلم الشرعي و اعتماده على حاسته الأدبية و حماسته المتوقدة للدين و محصوله اللغوي.
فالأخطاء السابقة و إن كانت عظيمة لكنها لا تخرجه من الإسلام و ندعو الله أن يغفرها له , لكن نسبته إلى وحدة الوجود هي ببساطة مشروع اتهام للرجل بالخروج من الإسلام.
(5) لأن الرجل لم يكن ذلك الذي يخفي ما يعتقد أو يهاب التصريح به , فلو كان يعتقد في صحة الوجود لوجدته مصرحا بذلك داعيا إليه , مستميتا في الدفاع عنه بجلد , فهذه دأبه في كتاباته, و لن يكون الأمر أبدا مجرد عبارات عابرة تذكر في موضعين أو ثلاثة في كتابة , بشكل يحمل لقوة أن يكون أسلوبا أدبيا في التعبير عن أن الله عز وجل هو مصدر وجود الكائنات فلا وجود إلا به و هذا لا يختلف عليه مسلم.
لذا حق علينا أن نراجع ضوابط و اعتقادات من يؤمنون بوحدة الوجود . . ثم نعود لقراءة عبارات سيد قطب المذكورة آنفا مرة أخرى
لذا تعمدت أن أذكر الجمل التي أدت إلى الاشتباه بأنه من أصحاب وحدة الوجود , ثم أنطلق بك عزيزي القاريء لنستكشف سويا أصول وحدة الوجود , ثم نعود لننظر مرة أخرى في الجمل المذكورة آنفا و نحللها لننظر أين نحن ؟
كذلك فإن الإنصاف يقتضي أن نذهب لنقرأ في بقية ما كتب الرجل لنجد ما يرجح لنا أحد طرفي الظن أو الاحتمال على الآخر . .
و الآن إلى الى استكشاف أصول عقيدة وحدة الوجود . .
ما هي عقيدة وحدة الوجود ؟
تاريخيا " فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين و التلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي. ا.هـ"[3]
و في تاريخ الفكر الإسلامي يمكن توصيفها على أنها " مذهب فلسفي قديم اعتنقه و نادى به و أدخله إلى الفكر الإسلامي ابن عربي الحاتمي الأندلسي[4] وتعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والإبداع, وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه ، لأنه موجود أولا بنفسه ، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية وبناء على هذا ، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله ، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات ، إلا بضرب من التوسع والمجاز, وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ، ومنه تستمد الحياة والوجود ؛ ولهذا كان وجودها عرضا و بالتبع "[5]
ففي مقابل ( لا إله إلا الله ) و التي تعني لا معبود بحق إلا الله . . فأن مقولة وحدة الوجود هي " لا موجود إلا الله "[6]
إن مصطلح وحدة الوجود، يعني في العقيدة الصوفية أنه ليس هناك موجود إلا الله . .
ففي مقابل شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله ) يقول منظر وحدة الوجود في التاريخ الإسلامي ابن عربي (لا موجود إلا الله )
فكل ما نراه من موجودات هي ليست موجودات مغايرة عن الوجود الإلهي أصلا . . و لكنها ظواهر تمثل مظاهر حقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً). .
فليس هذا الكون - في زعمهم بشكله المثالي - إلا الله تعالى الله عن ذلك , و كل ما عداه هو مظاهر و فيوضات.[7]
ففي الوقت الذي يجعل فيه المسيحيون من المؤمنين بالطبيعة الواحدة الآب و الابن و الروح القدس ثلاث مظاهر للإله الواحد على زعمهم , تجعل وحدة الوجود كل شيء في الكون إلها - سبحان الله عن ذلك- لأنه لا وجود لشيء عندهم في الكون إلا الإله.
فلا نجاسات عندهم و لا حرمات و لا أشخاص و لا عباد و لا معبود . . فالعبد هو المعبود و المعبود هو العبد اللهم نبرأ أليك من كفرهم.
و على ذلك
فإن أهم ما يميز جوهر وحدة الوجود هو عدم وجود اختلاف أو تباين بين الخالق و المخلوق . .
" يتلخص مذهب
المنظر الأول لفسلفة وحدة الوجود في التاريخ الإسلامي و هو ابن عربي[8] في وحدة الوجود
في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق
فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر
أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق "[9]
يقول شيخ الإسلام عن بن عربي :
" وهذا زعم أن عين وجود الرب فاض عليه فليس عنده وجود مخلوق مباين لوجود الخالق "[10]
و الآن ما هو جوهر عقيدة وحدة الوجود؟
قال ابن عربي في كتابه فصوص الحكم :
" فالأمر الخالق المخلوق ، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة "[11]
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :
يقول شيخ الإسلام عن بن عربي :
" وهذا زعم أن عين وجود الرب فاض عليه فليس عنده وجود مخلوق مباين لوجود الخالق "[10]
و الآن ما هو جوهر عقيدة وحدة الوجود؟
قال ابن عربي في كتابه فصوص الحكم :
" فالأمر الخالق المخلوق ، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة "[11]
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :
" وأصل ضلال هؤلاء أنهم لم يعرفوا مباينة
الله سبحانه للمخلوقات وعلوه عليها ، وعلموا أنه موجود ، فظنوا أن وجوده لا يخرج عن
وجودها ، بمنزلة من رأى شعاع الشمس نفسها ." [12]
أثناء بحثي استوقفني ردا رده بن عربي في كتابه الأشهر فصوص الحكم على أحد متصوفة أهل السنة و هو الجنيد ونقله لنا بن تيمية رحمهما الله جميعا لأنني أرى أنه يبرز جوهر و حد عقيدة وحدة والوجود كما أسس ليها و فهمها بن عربي . . دعونا نقرأ . . و نتأمل
يقول بن تيمية " فإن الجنيد - قدس الله روحه - كان من أئمة الهدى فسئل عن التوحيد فقال : التوحيد إفراد الحدوث عن القدم فبين أن التوحيد أن تميز بين القديم والمحدث وبين الخالق والمخلوق وصاحب الفصوص أنكر هذا وقال في مخاطبته الخيالية الشيطانية له : يا جنيد ! هل يميز بين المحدث والقديم إلا من يكون غيرهما ؟ فخطأ الجنيد في قوله : إفراد الحدوث عن القدم لأن قوله هو : إن وجود المحدث هو عين وجود القديم "[13]
و هذا يكشف لنا بجلاء لا لبس فيه عن جوهر و حقيقة عقيدة وحدة الوجود (هو عدم وجود مخلوق وخالق . . و قديم وحادث . . و معبود و عابد . . و عدم التمييز بينهما..).
أركان و لوازم عقيدة وحدة الوجود :
لعقيدة و حدة الوجود أركان لا تنفك عنها لا افتراضا ولا واقعا . . و هذه اللوازم ليس مجرد استنتاجات منطقية يستنتجها المسلمون في باب الجدل , بل هي اعترافات و أفعال للقوم , يدينون بها , و يعتبرون مخالفها على ضلال :
1- أن كل شيء في الكون عندهم هو الإله نفسه حاشاه سبحانه و تعالى . .
لأنه في الحقيقة التي يدعونها لا شيء موجود إنما الموجود هو الإله ..
فكل شيء عندهم هو إله دون استثناء عظم أو سفل , طهر أو نجس , لأن كل شيء عندهم هو مجرد مظهر من مظاهر الإله الواحد الذي لا موجود غيره.
لذا كان لومهم على أهل الأوثان ليس تكفيرا لهم , بل لأنهم عبدوا عبدوا بعض الظاهر دون بعض , و كان الأولى بهم عند القوم قاتلهم الله أن يعبدوا الجميع . . فالعارف المحقق عند القوم لا يضره أن يعبد الأصنام و الأحجار و الروث و الأشجار و يعبد نفسه و يعبد أي موجود.
2-إنكار تنزيه الله تعالى عن النقائص :
فإن قوما جعلوا المخلوق هو الخالق و الخالق هو المحلوق , و معلوم أن المخلوق مليء بالنقص , و منه ما يستحى من ذكره , و منه غير الطاهر و منه القبيح.
كان من غير المستغرب أن لا ينزهوا الخالق , بل و أن يلوموا على من ينزهه - اللهم نبرأ إليك من عظم قولهم المجرم.
3- إنكار النبوات و من ثم إنكار الكفر و من ثم وحدة الأديان:
حتى جعل ابن عربي فرعون أعلم بالله من موسى، يقول:" فإن فرعون قال: { أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } [النازعات:24] ؛ لأنه بلغ مقام وحدة الوجود، وموسى لم يبلغ هذا المقام. "
و تبعا لذلك أنكروا النبوات و البعث و الحساب و الجنة و النار و هلاك أقوام الأنبياء في الدني
أثناء بحثي استوقفني ردا رده بن عربي في كتابه الأشهر فصوص الحكم على أحد متصوفة أهل السنة و هو الجنيد ونقله لنا بن تيمية رحمهما الله جميعا لأنني أرى أنه يبرز جوهر و حد عقيدة وحدة والوجود كما أسس ليها و فهمها بن عربي . . دعونا نقرأ . . و نتأمل
يقول بن تيمية " فإن الجنيد - قدس الله روحه - كان من أئمة الهدى فسئل عن التوحيد فقال : التوحيد إفراد الحدوث عن القدم فبين أن التوحيد أن تميز بين القديم والمحدث وبين الخالق والمخلوق وصاحب الفصوص أنكر هذا وقال في مخاطبته الخيالية الشيطانية له : يا جنيد ! هل يميز بين المحدث والقديم إلا من يكون غيرهما ؟ فخطأ الجنيد في قوله : إفراد الحدوث عن القدم لأن قوله هو : إن وجود المحدث هو عين وجود القديم "[13]
و هذا يكشف لنا بجلاء لا لبس فيه عن جوهر و حقيقة عقيدة وحدة الوجود (هو عدم وجود مخلوق وخالق . . و قديم وحادث . . و معبود و عابد . . و عدم التمييز بينهما..).
أركان و لوازم عقيدة وحدة الوجود :
لعقيدة و حدة الوجود أركان لا تنفك عنها لا افتراضا ولا واقعا . . و هذه اللوازم ليس مجرد استنتاجات منطقية يستنتجها المسلمون في باب الجدل , بل هي اعترافات و أفعال للقوم , يدينون بها , و يعتبرون مخالفها على ضلال :
1- أن كل شيء في الكون عندهم هو الإله نفسه حاشاه سبحانه و تعالى . .
لأنه في الحقيقة التي يدعونها لا شيء موجود إنما الموجود هو الإله ..
فكل شيء عندهم هو إله دون استثناء عظم أو سفل , طهر أو نجس , لأن كل شيء عندهم هو مجرد مظهر من مظاهر الإله الواحد الذي لا موجود غيره.
لذا كان لومهم على أهل الأوثان ليس تكفيرا لهم , بل لأنهم عبدوا عبدوا بعض الظاهر دون بعض , و كان الأولى بهم عند القوم قاتلهم الله أن يعبدوا الجميع . . فالعارف المحقق عند القوم لا يضره أن يعبد الأصنام و الأحجار و الروث و الأشجار و يعبد نفسه و يعبد أي موجود.
2-إنكار تنزيه الله تعالى عن النقائص :
فإن قوما جعلوا المخلوق هو الخالق و الخالق هو المحلوق , و معلوم أن المخلوق مليء بالنقص , و منه ما يستحى من ذكره , و منه غير الطاهر و منه القبيح.
كان من غير المستغرب أن لا ينزهوا الخالق , بل و أن يلوموا على من ينزهه - اللهم نبرأ إليك من عظم قولهم المجرم.
3- إنكار النبوات و من ثم إنكار الكفر و من ثم وحدة الأديان:
حتى جعل ابن عربي فرعون أعلم بالله من موسى، يقول:" فإن فرعون قال: { أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } [النازعات:24] ؛ لأنه بلغ مقام وحدة الوجود، وموسى لم يبلغ هذا المقام. "
و تبعا لذلك أنكروا النبوات و البعث و الحساب و الجنة و النار و هلاك أقوام الأنبياء في الدني
عودة إلى عبارات صاحب الظلال
1) في تفسير قوله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3]
العبارة
|
التعليق
|
" ويتلفّت القلب
البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله... فهذا
الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده
|
هذه العبارة عبارة موحية فعلا بالاعتقاد في
وحدة الوجود , غبر أنها تحمل وجها آخر .
فشئنا أم أبينا فإنها تحتمل أن تكون تعبيرا أدبيا بليغا عن معنى صحيح شرعا , و هي أن كل شيء إنما استمد وجوده من وجود الله , فلولا الله ما وجد شيء. و لكي نرجح أحج الاحتمالين يجب أن : نرى هل توجد لوازم و أركان الاعتقاد بوحدة الوجود في كلام الرجل حول الأمر؟ أم أن كلامه ينفي هذا الاحتمال |
بقية العبارة
وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتية، ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود |
هنا لنا وقفات . .
فالرجل يثبت حقيقتين , حقيقة أولى , و حقيقة ثانية و هي حقيقة الشيء . . إن الرجل هنا صرح بأن للأشياء حقيقة . . بل ويصرح بأنه لها وجود . . و لكنه ليس وجودا ذاتيا . . و هذه العبارة صحيحة . . فالوجود الذاتي الأول بلا بداية ولا حاجة لموجد له حاشاه هو وجود الله فلا يعتمد وجوده على شيء . . و هو الوجود الآخر بلانهاية الذي لا يستطيع أحد أن يسلبه . . أما وجود ما دون الله و هو وجود كل الأشياء فهو مفتقر إلى الله تعالى وليس وجودا ذاتيا . . فالله فقط يمنحه هذا الوجود بمشيئته تعالى و حكمته أو يسلب ذلك الوجود بعلمه وحكمته |
2) و في تفسير سورة الإخلاص:
العبارة
|
التعليق
|
" إنها أحدية الوجود، فليس هناك
حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود إلا وجوده ..".
|
عبارة أدبية تحمل الوجهين . . إما التعبير
الأدبي عن معنى صحيح شرعا و هو أن الوجود الحقيقي الأول بلا بداية و الآخر بلا
نهاية هو وجود الله أو نحوه . . أو الاعتقاد في وجدة الوجود . .
لا يصح الاستدلال بها إلا بمرجح لأحد طرفي الاحتمال. |
ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود
إلا حقيقة الله، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها، وهذه درجة
يرى القلب فيها يد الله في كل شيء، ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في
الكون إلا الله؛ لأنه لا حقيقة هناك تراها إلا حقيقة الله
|
نفس التعليق . .
مع الإشارة إلى احد أهم ما يؤخذ على كتاب الظلال و هو التوسع في التعبير الأدبي بشكل يعطي المعاني قواما زئبقيا و هذا ما يجعلنا نحذر كل من ليس له أساس علمي متين أن يقرأ في هذا الكتاب . . و نحذر من التعاطي مع الكتاب تعاطي المستقبل . .بل تعاطي الناقد الحاذق. |
و الآن تأمل هذه العبارة أيضا . .
العبارات
|
التعليق
|
من هنا الحقيقة الواحدة أو أحدية الوجود ينبثق منهج كامل
للحياة... منهج لعبادة الله وحده الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده... ومنهج للتلقي
عن الله وحده؛ فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع
والضمير... ومنهج يربط ـ مع هذا ـ بين القلب البشري وبين كل موجود
برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاذب... فكلها خارجة من يد الله وكلها تستمد
وجودها من وجوده، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة فكلها إذن حبيب؛ إذ هي
هدية من الحبيب"[14]
|
هنا يتجلى بوضوح أن الرجل بريء تماما من جوهر عقيدة وحدة الوجود الذي
أشرنا إليه . .
إنه يتحدث عن " من هنا الحقيقة الواحدة أو أحدية الوجود ينبثق منهج كامل للحياة... منهج لعبادة الله وحده الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده... ومنهج للتلقي عن الله وحده " إن اعتقاده في كمال الوجود لله يجعله لا يرى مصدرا لتليق منهج الحياة ( الذي هو في أدبيات صاحب الظلال الشريعة ولا شيء غيرها ) كما يتحدث عن العبادة التي لا تصرف إلا لله وحده . . إن هذا لهو عين العبودية. |
كل هذه الحيرة التي آثرت عزيزي قاريء هذه المقالة البحثية , آثرت ان
أضعك فيها لأنها إنما تنتج عن عدم استفراغ الجهد في البحث الذي وقع فيه كثيرون , بل
و التساهل في إطلاق التهم جزافا .
كلام مباشر لصاحب الظلال عن وحدة الوجود :
بعد هذه الحيرة التي تعمدت أن اضعك فيها معي عزيزي القاريء لتعلم ما يمر به من بحث فقط في العبارات المشتبهة دون أن يتكبد مشقة البحث و يتحمل أمانة الشهادة على وجهها . . دعني أفاجئك بأن بأن صاحب الظلال نفسه أنهى أي احتمال لأن يكون من أصحاب وحدة الوجود , بل حمل على هذه العقيدة حملة شديدة لا مواربة فيها . .
كلام مباشر لصاحب الظلال عن وحدة الوجود :
بعد هذه الحيرة التي تعمدت أن اضعك فيها معي عزيزي القاريء لتعلم ما يمر به من بحث فقط في العبارات المشتبهة دون أن يتكبد مشقة البحث و يتحمل أمانة الشهادة على وجهها . . دعني أفاجئك بأن بأن صاحب الظلال نفسه أنهى أي احتمال لأن يكون من أصحاب وحدة الوجود , بل حمل على هذه العقيدة حملة شديدة لا مواربة فيها . .
يقول في تفسير سورة البقرة :
" هنا نصل إلى فكرة الإسلام التجريدية الكاملة عن الله سبحانه ، وعن نوع العلاقة بين الخالق وخلقه ، وعن طريقة صدور الخلق عن الخالق ، وهي أرفع وأوضح تصور عن هذه الحقائق جميعاً . . لقد صدر الكون عن خالقه ، عن طريق توجه الإرادة المطلقة القادرة : { كن ، فيكون } ."
و يستأنف قائلا "
. فتوجه الإرادة إلى خلق كائن ما كفيل وحده بوجود هذا الكائن ، على الصورة المقدرة له ، بدون وسيط من قوة أو مادة . . أما كيف تتصل هذه الإرادة التي لا نعرف كنهها ، بذلك الكائن المراد صدوره عنها ، فذلك هو السر الذي لم يكشف للإدراك البشري عنه ، لأن الطاقة البشرية غير مهيأة لإدراكه . وهي غير مهيأة لإدراكه لأنه لا يلزمها في وظيفتها التي خلقت لها وهي خلافة الأرض وعمارتها . . وبقدر ما وهب الله للإنسان من القدرة على كشف قوانين الكون التي تفيده في مهمته ، وسخر له الانتفاع بها ، بقدر ما زوى عنه الأسرار الأخرى التي لا علاقة لها بخلافته الكبرى . . ولقد ضربت الفلسفات في تيه لا منارة فيه ، وهي تحاول كشف هذه الأسرار؛ وتفترض فروضاً تنبع من الإدراك البشري الذي لم يهيأ لهذا المجال ، ولم يزود أصلاً بأدوات المعرفة فيه والارتياد . فتجيء هذه الفروض مضحكة في أرفع مستوياتها . مضحكة إلى حد يحير الإنسان : كيف يصدر هذا عن « فيلسوف »! وما ذلك إلا لأن أصحاب هذه الفلسفات حاولوا أن يخرجوا بالإدراك البشري عن طبيعة خلقته ، وأن يتجاوزوا به نطاقه المقدور له! فلم ينتهوا إلى شيء يطمأن إليه؛ بل لم يصلوا إلى شيء يمكن أن يحترمه من يرى التصور الإسلامي ويعيش في ظله "
و هنا يبدأ في الكشف أكثر عن حقيقة تصوره للأمر
وعصم الإسلام أهله المؤمنين بحقيقته أن يضربوا في هذا التيه بلا دليل ، وأن يحاولوا هذه المحاولة الفاشلة ، الخاطئة المنهج ابتداء . فلما أن أراد بعض متفلسفتهم متأثرين بأصداء الفلسفة الإغريقية - على وجه خاص - أن يتطاولوا إلى ذلك المرتقى ، باءوا بالتعقيد والتخليط ، كما باء أساتذتهم الإغريق! ودسوا في التفكير الإسلامي ما ليس من طبيعته ، وفي التصور الإسلامي ما ليس من حقيقته . . وذلك هو المصير المحتوم لكل محاولة العقل البشري وراء مجاله ، وفوق طبيعة خلقته وتكوينه . .
تأمل . .
ثم يتحدث مباشرة عن نظرية وحدة وحدة الوجود كلاما حاسما ينهي القضية كلها :
" والنظرية الإسلامية : أن الخلق غير الخالق . وأن الخالق ليس كمثله شيء . . ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة : « وحدة الوجود » على ما يفهمه غير المسلم من هذا الاصطلاح - أي بمعنى أن الوجود وخالقه وحدة واحدة - أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق ، أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده . . أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس . . والوجود وحدة في نظر المسلم على معنى آخر : وحدة صدوره عن الإرادة الواحدة الخالقة ، ووحدة ناموسه الذي يسير به ، ووحدة تكوينه وتناسقه واتجاهه إلى ربه في عبادة وخشوع :
" هنا نصل إلى فكرة الإسلام التجريدية الكاملة عن الله سبحانه ، وعن نوع العلاقة بين الخالق وخلقه ، وعن طريقة صدور الخلق عن الخالق ، وهي أرفع وأوضح تصور عن هذه الحقائق جميعاً . . لقد صدر الكون عن خالقه ، عن طريق توجه الإرادة المطلقة القادرة : { كن ، فيكون } ."
و يستأنف قائلا "
. فتوجه الإرادة إلى خلق كائن ما كفيل وحده بوجود هذا الكائن ، على الصورة المقدرة له ، بدون وسيط من قوة أو مادة . . أما كيف تتصل هذه الإرادة التي لا نعرف كنهها ، بذلك الكائن المراد صدوره عنها ، فذلك هو السر الذي لم يكشف للإدراك البشري عنه ، لأن الطاقة البشرية غير مهيأة لإدراكه . وهي غير مهيأة لإدراكه لأنه لا يلزمها في وظيفتها التي خلقت لها وهي خلافة الأرض وعمارتها . . وبقدر ما وهب الله للإنسان من القدرة على كشف قوانين الكون التي تفيده في مهمته ، وسخر له الانتفاع بها ، بقدر ما زوى عنه الأسرار الأخرى التي لا علاقة لها بخلافته الكبرى . . ولقد ضربت الفلسفات في تيه لا منارة فيه ، وهي تحاول كشف هذه الأسرار؛ وتفترض فروضاً تنبع من الإدراك البشري الذي لم يهيأ لهذا المجال ، ولم يزود أصلاً بأدوات المعرفة فيه والارتياد . فتجيء هذه الفروض مضحكة في أرفع مستوياتها . مضحكة إلى حد يحير الإنسان : كيف يصدر هذا عن « فيلسوف »! وما ذلك إلا لأن أصحاب هذه الفلسفات حاولوا أن يخرجوا بالإدراك البشري عن طبيعة خلقته ، وأن يتجاوزوا به نطاقه المقدور له! فلم ينتهوا إلى شيء يطمأن إليه؛ بل لم يصلوا إلى شيء يمكن أن يحترمه من يرى التصور الإسلامي ويعيش في ظله "
و هنا يبدأ في الكشف أكثر عن حقيقة تصوره للأمر
وعصم الإسلام أهله المؤمنين بحقيقته أن يضربوا في هذا التيه بلا دليل ، وأن يحاولوا هذه المحاولة الفاشلة ، الخاطئة المنهج ابتداء . فلما أن أراد بعض متفلسفتهم متأثرين بأصداء الفلسفة الإغريقية - على وجه خاص - أن يتطاولوا إلى ذلك المرتقى ، باءوا بالتعقيد والتخليط ، كما باء أساتذتهم الإغريق! ودسوا في التفكير الإسلامي ما ليس من طبيعته ، وفي التصور الإسلامي ما ليس من حقيقته . . وذلك هو المصير المحتوم لكل محاولة العقل البشري وراء مجاله ، وفوق طبيعة خلقته وتكوينه . .
تأمل . .
ثم يتحدث مباشرة عن نظرية وحدة وحدة الوجود كلاما حاسما ينهي القضية كلها :
" والنظرية الإسلامية : أن الخلق غير الخالق . وأن الخالق ليس كمثله شيء . . ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة : « وحدة الوجود » على ما يفهمه غير المسلم من هذا الاصطلاح - أي بمعنى أن الوجود وخالقه وحدة واحدة - أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق ، أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده . . أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس . . والوجود وحدة في نظر المسلم على معنى آخر : وحدة صدوره عن الإرادة الواحدة الخالقة ، ووحدة ناموسه الذي يسير به ، ووحدة تكوينه وتناسقه واتجاهه إلى ربه في عبادة وخشوع :
{ بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون
} . .
فلا ضرورة لتصور أن له من بين ما في السماوات
والأرض ولداً . . فالكل من خلقه بدرجة واحدة ، وبأداة واحدة :
{ بديع السماوات والأرض . وإذا قضى أمراً
فإنما يقول له : كن فيكون } . .
وتوجه الإرادة يتم بكيفية غير معلومة للإدراك
البشري ، لأنها فوق طاقة الإدراك البشري .
فمن العبث إنفاق الطاقة في اكتناه هذا السر ، والخبط في التيه بلا دليل! "
خلاصة المقالة البحثية
إن صاحب الظلال مع اختلافنا مع منهجه غفر الله و تحفظاتنا على بعض أخطائه التي لم تحدث عنها أهل العلم , و مع الإقرار بأن أسلوبه الأدبي الذي كتب به الظلال كان بابا في تأويل لا ضوابط له تحكمه ضل فيها كثيرون لذا نحذر من لم يكن من طلاب العلم الحاذقين أن يقرأ هذا الكتاب , إلا أننا نشهد ببراءة الرجل من القول بوحدة الوجود.
و نسأل الله أن يغفر له خطأه , و أن يتقبل منه صوابه . . و كلنا ذوو خطأ.
فمع وجود تحفظات كبيرة لي على الظلال كما أكرر حرصا على مصلحة القاريء . . إلا ان الرجل بريء من القول بوحدة الوجود بلا شبهة عندي في ذلك . . وتكونت قناعتي تلك على مراحل كما بينته في البحث . . فمن قرأ قول أصحاب هذه العقيدة سواء مدرسة ابن عربي او مدرسة ابن سينا . . المبني على عدم التباين بين الخالق والمخلوق . . وبين القديم و الحادث . . والمعبود و العبد . . مع لوازم ذلك من إنكار الشريعة والنبوات و الجزاء و عذاب الأمم الهالكة و إنكار وجود دين حق واحد و أديان باطلة مما يفضي إلى القول بوحدة وحدة الأديان.
فمن العبث إنفاق الطاقة في اكتناه هذا السر ، والخبط في التيه بلا دليل! "
خلاصة المقالة البحثية
إن صاحب الظلال مع اختلافنا مع منهجه غفر الله و تحفظاتنا على بعض أخطائه التي لم تحدث عنها أهل العلم , و مع الإقرار بأن أسلوبه الأدبي الذي كتب به الظلال كان بابا في تأويل لا ضوابط له تحكمه ضل فيها كثيرون لذا نحذر من لم يكن من طلاب العلم الحاذقين أن يقرأ هذا الكتاب , إلا أننا نشهد ببراءة الرجل من القول بوحدة الوجود.
و نسأل الله أن يغفر له خطأه , و أن يتقبل منه صوابه . . و كلنا ذوو خطأ.
فمع وجود تحفظات كبيرة لي على الظلال كما أكرر حرصا على مصلحة القاريء . . إلا ان الرجل بريء من القول بوحدة الوجود بلا شبهة عندي في ذلك . . وتكونت قناعتي تلك على مراحل كما بينته في البحث . . فمن قرأ قول أصحاب هذه العقيدة سواء مدرسة ابن عربي او مدرسة ابن سينا . . المبني على عدم التباين بين الخالق والمخلوق . . وبين القديم و الحادث . . والمعبود و العبد . . مع لوازم ذلك من إنكار الشريعة والنبوات و الجزاء و عذاب الأمم الهالكة و إنكار وجود دين حق واحد و أديان باطلة مما يفضي إلى القول بوحدة وحدة الأديان.
ثم قرأ إثبات الرجل لكلا الوجودين المتغايرين
إثباتا قاطعا و شاهد تمَكُّن فكرة التباين بين المعبود و العبد ، و الدين الحق و الأديان
الباطلة منه بجلاء بل و مبالغته في تقديسه للشريعة حتى وافق قوله أحيانا أهواء الغلاة
. . وكل هذه المعاني حاضرة بشكل لا يقبل اللبس
وفي غير موضع من كلامه عن السور المختلفة. .
لا يقبل أ، يسلم لاتهام الرجل بوحدةالوجود لمجرد بعض الجمل الموهمة بوحدة الوجود
حمالة الأوجه على الحقيقة وليست محكمة قطعية في دلالتها على وحدة الوجود . .
فإذا و قف أمام رفض سيد قطب نصا و بالاسم لعقيدة وحدة الوجود و الذي لم أجد له ذكرا من قبل في أبحاث مماثلة زال أي إشكال أو احتمال عنده حول مسالة وحدة الوجود.
فإذا و قف أمام رفض سيد قطب نصا و بالاسم لعقيدة وحدة الوجود و الذي لم أجد له ذكرا من قبل في أبحاث مماثلة زال أي إشكال أو احتمال عنده حول مسالة وحدة الوجود.
لكن مع التاكيد في الخاتمة أنه يؤخذ عليه
أنه لم يراعي مقام القول في القرآن بقول بين يختلف عن أي عمل أدبي . . وكذلك تكلمه
في بعض أمور بغير اسوة له فيها من سلف او مستند
الى أساس علمي متين.
وقد كتب الشيخ محمود شاكر أبو فهر كما لا
يخفى عليكم سلسلة مقالات رد عليه فيها بقوة رحمهما الله وغفر لهما جميعا . . فإنه مع
عدم تملك زمام اندفاعه الشعوري أحيانا وقع في الأخطاء المعلومة المذكورة في الظلال
واوقع من خلفه كثيرين ممن كان لديهم استعداد للغلو حتى في تأويل ما ربما لم يقصده هو
نفسه بشكل جعل من كتبه مرجعا خطيرا لهم . . غفر الله ورحمه.
أما القول بوحدة الوجود فلا . .
[1] الظلال: 6/3479
[2] في ظلال القرآن: 6/4002 و ما
بعدها
[4] هو محيي الدين
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه
إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ
وتوفي سنة 638م [ الموسوعة الميسرة - 1/146]
[5] (فى الفلسفة
الإسلامية منهج وتطبيقه - د/إبراهيم مدكور دار المعارف بمصر ط2/ 1968م - 1/ 56-57.)
- نقله موقع وزارة الأوقاف المصرية - مفاهيم إسلامية - (1 / 309)
[8] و هو ابن عربي الطائي الأندلسي
( بتنكير كلمة عربي ) و هو خلاف الإمام العالم السني ابن العربي ( بتعريف كلمة
العربي ).
[14] في ظلال القرآن: 6/4002 و ما
بعدها