قال السائل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قام احد الملحدين باثارة شبهة تتعلق بالقرءان الكريم وهي كالتالي :
أن محمد عليه الصلاة السلام أرسل للناس أجمعين ولكن حين نقرأ في القران الكريم نرى أن نعيم اهل الجنة المذكور( الأنهار والفاكهة والحور المقصورات في الخيام والحرير وغيرها ) لا يتعدى أحلام رجل يعيش في الصحراء .
فلو أردنا القول ان هذا النعيم المذكور ذكر بهذه الصورة ليتوافق مع مستوى تفكير القوم الذين أرسل اليهم محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم سننافي القول بان محمد ارسل للناس اجمعين .
تعالى الله عما يقولون
بحثت كثيرا ولم اجد اجابة مقنعة جميعها لا تتعدا كونها اجابات معلبة .
الرد:
أقول مستعينا بالله بعد حمد الله تعالى و الصلاة و السلام على رسوله النبي الأمين
إن هذا التوهم إذا وزناه بميزان العقل فلن يعدو كونه " هاجسا " من باب الهواجس اللاواعية التي تهاجم خواطر الإنسان ثم لا تلبث أن تتبخر وتتلاشى اذا ما أشرقت شمس التفكير المتعقل والفحص المنصبط لها..
وذلك من وجهين
الاول / إثبات خطأ توهم أن هذا مما تتعلق به أحلام البدائيون أو الرجال الذين يعيشون في الصحراء :
إن ما تفضلتم بالسؤال عنه من صور النعيم المادي لو تأملتم - لوجدتم أنه مما تستشرف إليه و تأنس به نفوس البشر جميعا عبر تاريخ البشرية بعمقه, و في كل البيئات الأنثروبولجية باتساعها مهما تنوعت عناصرها الجغرافية و الحضارية وأيا كان تعريفك للحضارة ..
وبلا استشناء لبشري سوي .
فهو نعيم موجه لمركوزات في نفوس البشر جميعا .. وليس خاصا بصحراء او بادية او مدينة او حضر . . او قديم أو حديث
فهل حب الماء البارد مركوز في حياة الصحراوي دون غيره؟؟ . .
أبدا .. هذا أمر بين البطلان ..
ألم يصنع الغربيون مبردات المياه و الثلاجات لأنفسهم ابتداء كرفاهية؟؟ رغم أن درجات الحرارة في عامة بلدانهم ألطف من درجات الحرارة في الصحراء صيفا؟؟
الفاكهة .. و اللبن .. و اللحم .. و الطعام الطيب .. والراحة .. و العسل .. و الخمر المصفى و المبرأ من جوانب الإيذاء و الخبث في خمر الدنيا .. هل هذا مما يحبه الصحراوي دون الحضري أو العربي دون الغربي ؟؟!!
وهل أنس الرجل بالمرأة و ميله إليها و رغبته فيها امر يخص الصحراويين؟؟!!
أعتقد ان قليلا من التامل سوف يدفع عنكم تماما هذا الهاجس دفعا . .
بل وربما تنظرون بغرابة لهذا الهاجس كيف ناقشناه بشيء من الجدية أصلا مع أنفسنا.
النقطة الثانية / أن هذا النعيم الجسدي - و إن لم يكن النعيم الوحيد الموعود به بل هناك أعظم كما سنبين إن شاء الله - إلا أنه أمر ضروري لصلاح الدنيا و تقوى النفوس فيها , كما أنه يناسب عدل الله و حكمته:
وبيان ذلك أن :
(1) هذا النعيم هو عدل من الرب الرحيم ورحمة بالمتقين من عباده الذين حرموا أنفسهم من متع كثيرة استباجها غيرهم ابتغاء وجه الله , ومنهم من ربما مات و لم يحصل هذه المتع مرة في حياته ..
فهذا كان فقيرا لم يستطع أن يتزوج .. و لم ينزلق إلى الزنا ..و ربما مات أعزبا..
و هذا كان فقيرا .. لم يستطيع أن يحصل المال الذي يحوز به النعم المادية التي ربما حازها البعض باكل الحرام.
و هذا مرض مرضا أو هذا شردته الحروب و قصت على ماله و أمنه و بيته .. و مع ذلك لم يبع نفسه للشيطان.
أليس من كمال عدل الله تبارك وتعالى وفضله و رحمته أن يعوضه بنعيم أكمل وأبهى و أنقى من المكدرات الدنيوية..
أم أن يبقى الصالح التقي محروما حرمانا أبديا ونقول له فاتك نعيم الجسد في الدنيا وليس ثمة جزاء من جنس عملك في الآخرة!!
(2) من جهة أخرى فإن هذا يقدم للعبد الصالح عونا في الدنيا على الامتناع عن الحرام و صبرا و هو يرى الفساق يستمتعون استمتاعا وقتيا بفسقهم , بل تراه ينظر بترفع وشفقة إلى من ضيع آخرته بدنيا زائلة.
.. لأنه يعلم أن ما يمنع نفسه عنه من المحرمات سوف يعوضه الله بأفضل منه . . فيمتنع عن الموبقات والسرقة و الزنا واكل أموال الناس فتصلح المجتمعات وتطهر.
ولعل هذا جانب مرتبط من معنى قول الله تعالى
" فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا "
فكما أن خوف العذاب في هذا اليوم عون على صلاح العبد في الدنيا فإن الجنة أيضا و ما فيها من نعيم يعوض الله به المتقين و المظلومين.
النقطة الثالثة: ليس هذا فقط هو النعيم الموعود :
فأمام هذا النعيم الجسدي في الجنة هناك نعيمٌ أعظم, مما يمكن أن نسميه نعيما معنويا أو روحيا لو جازت التسمية و الله أعلم .. كما يأنس البدن بما سبق..
فجعل الله تعالى رضوانه نعيما لهم .. و مغفرته لهم نعيما لهم .. والنظر إليه تعالى نعيما لهم..
يقول الله تعالى :
" وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
((وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)) ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (72)
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ . فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبُّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ : أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ : وَأَيُّ شَيءٍ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً "
متفق عليه
فإن الجنة فيها نعيم الأبدان بلا كدر .. و نعيم الأرواح بلا كدر
هذا و الله أعلم