قال لي صديقي مفكرا معي بصوت عال ( وهو صديق أحترمه كثيرا ):
" الافكار ولو كانت فاسده تنصر وتستمد قوتها من حماس معتنقيها بها فما ان يفتر حماسنا لها تسقط وهذه ليست ميزه انفرد بها المسلمون دون غيرهم وليس المسلمون وحدهم من اسسو امبراطوريه على اساس عقدى ويروى التاريخ لنا العديد من الحضارات الوثنيه التى اسست لدوله المدنيه واقامه العدل وهى قبل الاسلام وليس هذا انتقاص من قيمه اللبنه التى وضعها سيدنا محمد ليتم ويقيم دوله الاخلاق ويقر سيدنا محمد اننى مثلى ومثل الانبياء من قبلى كرجل بنى بيتا ............الحديث "
فوجدتني أجيبه قائلا :
الفكرة و لو كانت فاسدة تمثل دافعا لمعتنقها لنصرة فكرته , و هذا القدر المشترك بين جميع الأفكار و الإيديولوجيات و العقائد لكن ثمة فروق جوهرية بين الإسلام و بين العقائد الأخرى و الإيديولوجيات ألا و هي :
أولاً / المصدر
ثانيا / الهيمنة على آليات الصراع .
ثالثا / الثمرات .
أولاً / المصدر :فمصدر عقيدة الإسلام هو ((الإله)) , و محدثك شخص وصل للإيمان ليس فقط لكونه ولد مسلما , بل وصلت بفضل الله - بسبب تخصصي في أحد أدق فروع العلوم التجريبية ألا وهو الفيزياء - إلى أن الإيمان بالله و بمحمد صلى الله عليه و سلم هو حتمية عقلية , لا يشهد لها فقط التصديق القلبي المحض , بل تشهد لها كل معطيات الفكر الحر من الأهواء و الموروثات , بل و يشهد لها العلم الحديث ( و أتمنى ألا ينحصر تفكيرك في أنني أعني الإعجاز العلمي في القرآن على رفعة شأنه , فهذا مجرد جانب واحد فيما ثبت منه بعيدا عن الأوهام )
و هناك جوانب كثيرة أخرى , فاليوم العلم يصنع مع القرآن حجة دامغة على خلل في تفكير كل من لا يعتنق الإسلام بشكل أو بآخر .
أما العقائد الأخرى فمصدرها , فكرة بشرية أو اتباع لوهم من الأوهام , و إن من استسفاه الإنسان لنفسه فيها أن يبني حياته على فكرة تفجرت في رأس شخص أو أشخاص , أو حول صنم يُعبَد , يدعي لهذه النقائص العصمة ثم يلوم على المؤمن بالله أنه يؤمن بعصمة الدين الذي مصدره خالق العقل و الحكمة و السماء و الأرض , يالها من حكمة حولاء حكمة هؤلاء المساكين . .
ثانيا / الهيمنة على آليات الصراع :
قلا توجد عقيدة و لا إيديولوجية تفرض على متبعها نظام حياة كامل , و ضوابط محترمة حتى في الصراع من أجل نشرها , حتى أنها تمنع معتنقيها من إجبار الآخرين عليها , إلا الإسلام .
لم يعرف التاريخ و أكرر . . جيوشا من الفرسان النبلاء إلا جيوش الإسلام , جيوش مملكة السماء .
الحرب هي آخر سبيل يضطر إليه المسلمون بعد أن تقف جيوش الظلام أمام حرية الناس في أن يعرفوا دين ربهم و يعتنقوه إن شاءوا .
و هي آخر خيار يعرض على اﻷمة المحاربة .فالإسلام لا يحارب أتباعه لكي يعتنق الناس دين الله , أبدا , فالمكره الذي يدخل الإسلام و هو يبطن الكفر. . الإسلام نفسه يسميه مناققا و يتوعده بالنار . . و لا يجوز لمسلم شرعا أن يكره أحدا على اعتناق الإسلام . . قال الرب جل و علا ( لا إكراه في الدين ) و قال تعالى ( فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ) . . فالمكره ليس إيمانه صحيحاً كما قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره و غيره .
و المسلمون في حروبهم يتأدبون بآداب صارمة أمرهم بها الإسلام و هم فرسان نبلاء لا تعرف الحروب لهم نظيرا في نبلهم و شرفهم . . أبدا ويشهد التاريخ
فإذا كان كثيرون يؤيدون الحرب من أجل نصرة الديموقراطية ومحاربة الاستبداد و يسمونها الحرب العادلة رغم ما يفعل فيها من أمور يندى جبين الخنازير الوحشية و الضباع في الغابات .
فنحن نجاهد لنحرر المستضعفين من ظلم و قهر و ضلال لندخلهم إلى العدل في ظل الإسلام لتكون لهم حرية الاختيار بعيدا عن تزييف الوعي الذي تخوضه قوى الظلام للصد عن سبيل الله لتسرق منهم دنياهم قبل آخرتهم , و بعيدا عن القهر على اعتناق دين معين , نمنع الذين يفرضون عقائدهم الباطلة على الناس , و يقفون بينهم و بين حرية الاختيار .
و لم تزل كلمات ربعي بن عامر يتردد صداها عبر الأزمان شاهدا برسوخ ذلك الدافع في الوجدان الجمعي المسلم و هو يقول لرستم " نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا الآخرة و من جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
أثناء الحرب الإسلامية لا تُستحل الحرمات و لا تُقتل امرأة أو طفلا أو شيخا فانيا أو راهبا يتعبد في صومعته . .
لقد أعاد الصديق للبشرية اعتبارها و هو واقف يعظ جيش اسامة قائلا :
" لا تغدروا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا ًصغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوا ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة .. ولا تذبحوا شاه ولا بعيراً إلا لمأكله ، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم له." كما ذكر ذلك الطبري .
و ما إن تضع الحرب أوزارها حتى يتوقف القتال , ثم لا خيانة عهود .
و الله ينصر المؤمنين على أصحاب اي عقيدة أخرى - فقط - إذا أخذوا بالأسباب . . لا محالة . .
فلم يعرف التاريخ حربا عقدية قامت بين عقيدة الإسلام و غيره و أخلص فيها المسلمون ثم هزموا مع ذلك , ربما يهزمون في فصل من فصولها لكن المحصلة النهائية النصر دائماً و ابدا , إلا إن لم يعدوا العدة الإيمانية و العدة المادية .
فالإسلام لا يعرف الدروشة , و لا الكفر بالأسباب .
فسنن الله لا تحابي أحدا . . فالكافر أبدا لا ينتصر إلا إذا أخد بأسباب النصر في نفس الوقت الذي لم يأخد فيه المؤمنون بأسباب النصر . . و بلا اجتماع الشرطان أبدا لا ينتصر الكافر . . الله علمنا ذلك .
علمنا بأن أسباب النصر في حق المؤمنين سببان هما (1) أن يتمسكوا بالمعاني الإيمانية من نصرة لله و صبر عند اللقاء و غيرها (2) إعداد ما استطاعوا من قوة مادية .
أما الكفر فأسباب نصرته هي القوة المادية فقط .
لذا علمنا القرآن " و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "
فالمسمون كانوا في قمة اﻷسباب المادية لكن قصروا في معنى من المعاني الإيمانية . . و يروى إن صح الخبر أنهم قالوا لن ننهزم اليوم من قلة .
إنه الرب يربي الفئة الوحيدة التي استجابت له من البشر .
إن الله يبارك الجهاد في سبيله . . و ليس الحرب للسيطرة على الموارد . . أو التصفية العرقية أو الطائفية .
ثالثا الثمرة :
يحضرني قول للمسيح عليه الصلاة والسلام - إن صحت نسبة هذا القول له - ألا و هو " من ثمارهم - أي الأنبياء - تعرفونهم " أي تعرفون إن كانوا أنبياء صادقين أم مدعيي نبوة .
الإمبراطوريات الوثنية التي أقامت العدل جعلت العدل خاصا لمواطنيها فقط , و هو عدل مرهون بتشريع الحاكم لما يراه عدلا , و كان غير المواطنين من رعايا هذه الإمبراطوريات بدءً من الممالك اليونانية القديمة الصغيرة إلى الإمبراطورية الرومانية , ليسوا إلا أشباه بشر بلا حقوق .
و تاريخ هذه الإمبراطوريات المبني على التمييز العرقي معروف .
نعم كانت دولة عدل , و لكن العدل الذي يراه الحاكم عدلا , و يختص هذا العدل و هذه الحقوق فقط بمن هم من جنسية الحاكم أو قوميته .
و انا أقول لا يوجد في تاريخ البشرية أمة اقامت دولة كان أساسها تنمية كل الشعوب التي تخضع تحتها , و الارتقاء بها , و رحمة أهلها , و إقامة العدل بين جميع رعاياها , الذين عدلت معهم جميعا فلم تعرف العنصرية أو التعصب لجنس , بل جميع رعاياها حاملين للجنسية الإسلامية أو حاملين للعهد و الذمة التي حصنها لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه .
لا توجد أمة رفعت المستوى العلمي و الأخلاقي و لم تستنزف الموارد من شعوبها مثلما فعلت أمة الإسلام .
و العدل في دولة الإسلام , كان العدل الإلهي الثابت الذي لا يعرف الأهواء و لا يحل ظلم الناس ايا كان جنسهم أو دينهم أو عرقهم , و متمثلا في الشريعة ألإسلامية .
و طبعا . . لست معني بالرد على الانحراف عن الإسلام في بعض فترات التاريخ الإسلامي . . لأنه دليل لما اقول و ليس ضده , إذا أن سبب سوئه أنه ((انحرااااافا ))عن جمال و عظمة الإسلام .
لقد خسر العالم يوم أن تخلى المسلمين عن دينهم , الذي هو أهم سببي النصر , فهُزِموا و أصبحوا في ذيل الأمم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق