القرآن مليء بالأدلة العقلية الموجهة إلى عقل الكافر بالقرآن و برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , فهي تقوم بالمحاججة العقلية وإثبات العقائد بشكل فريد في عمقه , فريد في قوته و حسمه , فريد في تأثيره.
فهي ليست محاججة باردة خالية من الروح كتلك التي يتناطح بها الفلاسفة و المتكلمين .
بل هي خطاب ذو قوة دافعة عقلية , و قوة تأثير نفسي , تقود العقل للإيمان بسلطان الدليل العقلي و المنطق السوي و البرهان , مع تحريك الوجدان و الروح و خلق حالة من الإجلال النفسي للعقيدة , ثم ترتب على هذا الإيمان منهجا سلوكيا إصلاحيا للكون . .
هي ليست محاججة مبنية على التشدق بالاصطلاحات الفسلفية و الممحاكات المتذاكية التي تسلك للبرهان أبعد الطرق و أوعرها لإشباع رغبة في التذاكي و التعالم , بل هي عجيبة في منهجها ينتفع بها الجميع على اختلاف ثقافتهم و عمقهم و ذكائهم و ميولهم , بشرط أن لا يغلقوا دونها عقولهم .
هي مثل الهواء يدخل لأجسام البشر , فتستمر به بإذن الله الحياة دون ن تشعر , سواء كنت تعلم عن الأكسجين و العمليات البيوكيميائية داخل جسمك , أو لم تكن تعلم , لكنك بها بإذن الله تسمتر حيا , إلا أن تخنق نفسك , لتمنع دخلو الهواء , أو تتلف رئتيك بمرض.
اقرأ إن شئت على سبيل المثال القليل . .
" أم خلقوا من غير شيء ؟
أم هم الخالقون ؟
وخلقوا السماوات والأرض؟
بل لا يوقنون "
إن هذه الآيات هي مدار طائفة من أحكم و أروع الاستدلالات العقلية التي يطيل فيها المتكلمون النفس , و يسلكون فيها مسالك غاية في التعقيد , ذات مقدمات و تطويلات اصطلاحات و شروحات .
فلا ينتفع بها إلا من له علم بهذه المسالك , فقط حتى يصل المخاطب للاقتناع , بغير أن يكون قوة محركة له مثيرة لكمائن إجلال الله في نفسه . .
قارن هذا بما تحدثه هذه الاية في نفسك . . أو في نفس رجل من غير ذوي الفلسفة و الاطلاع في مسائل المنطق , مثل ذلك الرجل الذي ذهب إلى المدينة مشركا فسمع الآية فتسللت لعقله و نفسه عنة لا فقط بما تحتويه من إقناع , بل بما تحويه من أثر بالغ و حياة . .
هذا الرجل هو جبير بن مطعم الذي ذهب لمدينة مشركا ليفاوض على أسارى بدر، فلما وصل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالمسلمين المغرب , فسمع جبير قراءة النبي في الصلاة قائلا
" سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية
"أم خلقوا من غير شيء ؟
أم هم الخالقون؟
أم خلقوا السماوات والأرض؟
بل لا يوقنون
أم عندهم خزائن ربك؟
أم هم المسيطرون؟
يقول جبير واصفا ما أحس به عن دسماع هذه الآية و هو يومئد على الشرك :
" كاد قلبي أن يطير "
[البخاري، 4854].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق