استرخيت على مقعد القطار متوجهاً من الإسكندرية إلى القاهرة . . و ما إن بدأ القطار الحركة حتى بدأت احرك لساني بما تيسر من أذكار السفر . . و بدأ القطار يشق طريقه حثيا . . وبدأت أنا أسلم رأسي إلى مسند المقعد . . تاركا إياها تهتز برفق كلما تهادى القطار .
و كعادتي أخذت الأفكار تهيم و تتقافز في خفة حول رأسي دون أن تستقر أحدها فيه , أخذت تتداخل أفكار ربما كان منها البحثي في تخصصي العلمي , و أخرى تتعلق بشوقي لأحبابي في القاهرة , و تلك الحيرة بين طلب الشاي أو النيسكافية و غيرها و غيرها لست متأكدا من تحديد أي من الأفكار على شكل اليقين . . فهي أفكار كأنها فراشات تدور حولي فلا هي تستقر في عقلي و لا عقلي يأخذ زمام المبادرة نحوها . .
تلك الحالة التي يحلو للبعض أن يسميها في عاميتنا المصرية " السرحان " . . حالة بين التفكير و اللاتفكير .
مر الوقت و أنا هائم بين الأفكار المتلاطمة أحاول النوم . . و لم يكن يشعرني بمرور الوقت بين همهمات الركاب إلا دقات قضبان القطار على أذني . . و أنا غارق مستسلم لهذه الحالة أحاول أن أنام . .
وفجأة . . انتزعني من هذه الحالة صوتٌ بدا في حدته و انفعاله أكثر لهفة و صراخاً من الهمهمات المختلطة لعامة الركابا و لتي تملأ جو عربة القطار . .
" يا جماعة خلوا عربية إسعاف تنتظر في محطة مصر ضروري لأن واحدة مغمى عليها و داخلة في غيبوبة بقالها حوالي ساعة و بنحاول نفوقها " .
قالتها بانفعال شديد فتاة في مقتبل العمر مخاطبة الجميع و كأنها تستغيث . .
انتفضت من مكاني فورا محاولاً تقديم يد العون , و ذهبت إلى مكان الحدث مسرعا , فإذا بشابة صغيرة , ممدة بالأرض في الوصلة التي بين عربتي القطار , و حولها مجموعة من الناس , و بجوارها شاب عرفت لاحقا أنه أخوها >
غير أنه كان هناك شاب بدا من ملامحه و اختلاف مستوى هندامه عن مستوى ملابسها البسيطة - أنه ليس من أقربائها و إن كان مستميتاً في محاولة أن يظل فمها مفتوحاً لأنها كانت مصابة بحالة تشنج قد تعض معها لسانها و تجرحه .
طلبوا إبرة كورتيزون , لا أعلم لماذا , فأخذت أجوب العربات عربة عربة أعلن عن حاجتنا لإبرة كورتيرون , و لكن دون جدوى.
عدت مرة أخرى إلى الفتاة فإذا بهم ينادونها " سمر . . سمر فوقي يا سمر" . .و هي غارقة في إغماءة طويلة . . و لم يزل صديقنا الشاب الذي علمت لا حقاً أنه طبيب يحاول إفاقة الفتاة و حمايتها من عض لسانها .
طلبت مني والدة الفتاة , أن اقرأ لها قرآن , فأخذت أقرأ لها آيات من كتاب الله , و أنا أراقب صديقنا الشاب المعالج و هو لم يزل يحاول إفاقتها , قرأت عليها سورة الفاتحة . . و هي رقية ثابتة شرعاً . . قلت في نفسي هكذا نكون قد أخذنا بكل الأسباب , الرقية بالقرآن و هي سبب للشفاء يغفل عنه ضعاف العقول و الإيمان . . و التداوي بالطب و هو سبب من سنة نبينا أن نتداوى به أيضاً و يؤيده أيضا حسي كشخص علمي في أحد التخصاات التجريبية التي تؤمن بأهميةالأخذ بالأسباب العلمية الثابتة لأنها من سنن الله في الكون " و لن تجد لسنة الله تبديلا ".
و بدأت الفتاة تفيق تدريجياً , و بدأت تستجيب ببطء , وذلك في نفس الأثناء التي كان القطار فيها يدخل إلى رصيفه في محطة رمسيس , و هنا بعد أن اطمأننت عليها أردت الانصراف لأعود لزوجتي التي تنتظرني عند المقعد و الحقائب معها و هي قلقة .
و قبل أن أنصرف , أردت أن شكر شريكي في محاولة إنقاذ " سمر " . . أو للصدق أنا الذي أصبحت شريكه لأنني حينما ذهبت إليها وجدته موجود من قبل .
أردت أن أشكره , سالته : " ما اسمك يا دكتور ؟؟ "
أجابني و ملامحه تحمل تعبيراً لم أفهمه حتى اللحظة , لكنه كان متجهماً , قال لي و كأنه يعتقد أنه سينهي حلماً جميلاً لدي : " اسمي مايكل "
قالها و هو يترقب قسماتي في توجس.
لم يكن يعلم انني كنت قد رأيت الصليب على يده آنفا أثناء محاولته إمساك فم سمر وعلاجها لـ " سمر " .
نظرت إليه و ابتسمت في امتنان . . وددت لو استطيع أن أؤكد له أن الإسلام يجمع الإنسان للإنسان على الخير و العدل مهما اختلفت الأديان . .
لكن المقام لم يكن ليسع , شددت على يديه بعمق , متمنياً من قلبي له الهداية و الخير .
ثم . . قبلت رأسه . . و مضيت
وجدت أحد الشباب الطيب , يراقب هذا المشهد بين ملتحِ و قبطي . . يراقب الموضوع بحماس . . و تكاد دموع الفرح تطير من عينه , و بينا أنا أمضي إلى أهلي . . اشار إلي بإصبعه الإبهام إليه علامة OK .
مضيت مع أهلي شاردا . . أتأمل . .
لقد اشتركنا سوياً في إنقاذ " سمر " . .
" سمر " ياله من اسم !!
كم هو قريب من
اسم حبيبتي . .
" مصر "
[ قصة واقعية ]
و كعادتي أخذت الأفكار تهيم و تتقافز في خفة حول رأسي دون أن تستقر أحدها فيه , أخذت تتداخل أفكار ربما كان منها البحثي في تخصصي العلمي , و أخرى تتعلق بشوقي لأحبابي في القاهرة , و تلك الحيرة بين طلب الشاي أو النيسكافية و غيرها و غيرها لست متأكدا من تحديد أي من الأفكار على شكل اليقين . . فهي أفكار كأنها فراشات تدور حولي فلا هي تستقر في عقلي و لا عقلي يأخذ زمام المبادرة نحوها . .
تلك الحالة التي يحلو للبعض أن يسميها في عاميتنا المصرية " السرحان " . . حالة بين التفكير و اللاتفكير .
مر الوقت و أنا هائم بين الأفكار المتلاطمة أحاول النوم . . و لم يكن يشعرني بمرور الوقت بين همهمات الركاب إلا دقات قضبان القطار على أذني . . و أنا غارق مستسلم لهذه الحالة أحاول أن أنام . .
وفجأة . . انتزعني من هذه الحالة صوتٌ بدا في حدته و انفعاله أكثر لهفة و صراخاً من الهمهمات المختلطة لعامة الركابا و لتي تملأ جو عربة القطار . .
" يا جماعة خلوا عربية إسعاف تنتظر في محطة مصر ضروري لأن واحدة مغمى عليها و داخلة في غيبوبة بقالها حوالي ساعة و بنحاول نفوقها " .
قالتها بانفعال شديد فتاة في مقتبل العمر مخاطبة الجميع و كأنها تستغيث . .
انتفضت من مكاني فورا محاولاً تقديم يد العون , و ذهبت إلى مكان الحدث مسرعا , فإذا بشابة صغيرة , ممدة بالأرض في الوصلة التي بين عربتي القطار , و حولها مجموعة من الناس , و بجوارها شاب عرفت لاحقا أنه أخوها >
غير أنه كان هناك شاب بدا من ملامحه و اختلاف مستوى هندامه عن مستوى ملابسها البسيطة - أنه ليس من أقربائها و إن كان مستميتاً في محاولة أن يظل فمها مفتوحاً لأنها كانت مصابة بحالة تشنج قد تعض معها لسانها و تجرحه .
طلبوا إبرة كورتيزون , لا أعلم لماذا , فأخذت أجوب العربات عربة عربة أعلن عن حاجتنا لإبرة كورتيرون , و لكن دون جدوى.
عدت مرة أخرى إلى الفتاة فإذا بهم ينادونها " سمر . . سمر فوقي يا سمر" . .و هي غارقة في إغماءة طويلة . . و لم يزل صديقنا الشاب الذي علمت لا حقاً أنه طبيب يحاول إفاقة الفتاة و حمايتها من عض لسانها .
طلبت مني والدة الفتاة , أن اقرأ لها قرآن , فأخذت أقرأ لها آيات من كتاب الله , و أنا أراقب صديقنا الشاب المعالج و هو لم يزل يحاول إفاقتها , قرأت عليها سورة الفاتحة . . و هي رقية ثابتة شرعاً . . قلت في نفسي هكذا نكون قد أخذنا بكل الأسباب , الرقية بالقرآن و هي سبب للشفاء يغفل عنه ضعاف العقول و الإيمان . . و التداوي بالطب و هو سبب من سنة نبينا أن نتداوى به أيضاً و يؤيده أيضا حسي كشخص علمي في أحد التخصاات التجريبية التي تؤمن بأهميةالأخذ بالأسباب العلمية الثابتة لأنها من سنن الله في الكون " و لن تجد لسنة الله تبديلا ".
و بدأت الفتاة تفيق تدريجياً , و بدأت تستجيب ببطء , وذلك في نفس الأثناء التي كان القطار فيها يدخل إلى رصيفه في محطة رمسيس , و هنا بعد أن اطمأننت عليها أردت الانصراف لأعود لزوجتي التي تنتظرني عند المقعد و الحقائب معها و هي قلقة .
و قبل أن أنصرف , أردت أن شكر شريكي في محاولة إنقاذ " سمر " . . أو للصدق أنا الذي أصبحت شريكه لأنني حينما ذهبت إليها وجدته موجود من قبل .
أردت أن أشكره , سالته : " ما اسمك يا دكتور ؟؟ "
أجابني و ملامحه تحمل تعبيراً لم أفهمه حتى اللحظة , لكنه كان متجهماً , قال لي و كأنه يعتقد أنه سينهي حلماً جميلاً لدي : " اسمي مايكل "
قالها و هو يترقب قسماتي في توجس.
لم يكن يعلم انني كنت قد رأيت الصليب على يده آنفا أثناء محاولته إمساك فم سمر وعلاجها لـ " سمر " .
نظرت إليه و ابتسمت في امتنان . . وددت لو استطيع أن أؤكد له أن الإسلام يجمع الإنسان للإنسان على الخير و العدل مهما اختلفت الأديان . .
لكن المقام لم يكن ليسع , شددت على يديه بعمق , متمنياً من قلبي له الهداية و الخير .
ثم . . قبلت رأسه . . و مضيت
وجدت أحد الشباب الطيب , يراقب هذا المشهد بين ملتحِ و قبطي . . يراقب الموضوع بحماس . . و تكاد دموع الفرح تطير من عينه , و بينا أنا أمضي إلى أهلي . . اشار إلي بإصبعه الإبهام إليه علامة OK .
مضيت مع أهلي شاردا . . أتأمل . .
لقد اشتركنا سوياً في إنقاذ " سمر " . .
" سمر " ياله من اسم !!
كم هو قريب من
اسم حبيبتي . .
" مصر "
[ قصة واقعية ]
رائعه ياشيخ رحاب أسأل الله ان ينفع بك
ردحذفجزاك الله خيرا