01‏/05‏/2015

البحيري . . ومحنة العقل والعلم و المنهج (1)


 

إن البخاري و كتاب التراث الإسلامي ليس فيها معصوما , و لا يعتقد أحد من المسلمين أو العلماء أو طلاب العلم أن فيها معصوما , كما يوهم المدعو إسلام البحيري مستمعيه بهذا .

إن المقولة الشهيرة للإمام مالك : " كلٌ يؤخذ منه و يرد إلا صاحب المقام ( يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم ) "و غيرها مما استفاض في معناها من مقولات العلماء يبقى شاهدا على عمق هذا المعنى في الوجدان الجمعي لعلماء الإسلام

كما أن  كتب العلماء الأقدمين و المحدثين على حد سواء , مليئة بالنقد لبعضهم و بالنقد لسابقيهم , و بيان كما وقع كل منهم فيه من الزلل .

( و هذا ما سنثبته إن شاء الله في المقالات القادمة )

غير أن الجهل يجعل هذا الأخير زمانه ( البحيري ) يظن بأنه آت بما لم تستطعه الأوائل
و لسان حاله قول القائل :
 

       و إني و إن كنت الأخير زمانه                 لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل

. . و هو في الحقيقة واهم . .

و لكن وجود أخطاء شديدة القلة في التراث الإسلامي العلمي , لا يعني لعاقل لديه أدنى من ذرة من عقل أو موضوعية أن يدعو إلى رد كل أحاديث صحيح البخاري و كب السنن و معها مرويات كل التراث و و آراء العلماء و جهودهم , و لا يعني أن ينتقص منهم و يسبهم باقذع الأوصاف  , لمجرد أن بين تراثهم أخطاء بشرية هي ذرات غبار هائمة في بحر من العبقرية التي يحدسنا عليها دارسو التاريخ الإنساني و تاريخ التشريع . . 

ياله حكم سفيه أحمق , لا حكمة فيه و لا نظر و لا تأمل . . أن تهدم ( الهرم الأكبر ) لأن ( أحد أحجاره كسر منه جزء صغير بفعل عوامل التعرية ) . . أو ( تنسف مصداقية مراجع الطب و الكيمياء و الفيزياء , لأن صانعيها هم بشر غير معصومين , و لأنهم أخطأوا أخطاء عديدة عبر التاريخ )

لكن لا غرابة في هذا المنهج إذا علم  القاري ( كما سنثبت بالدليل إن شاء الله ) أن البحيري و أمثاله مصادرهم ليست الأخطاء التي وجدوها و هم يدرسون كتب العلم , بل هم طفيليون ترمموا على أجداث أفكار بثها المنصرون و الملحدون عبر التاريخ طعنا في الإسلام , و حتى لم يقدموها بشكل مبتكر .

و لو أن البحيري و أمثاله ارادوا فعلا إنقاذ الأمة كما يدعون , و يصدقهم دراويش التحلل . . لكان المنهج الذي لا يختلف عليه اثنين هو . .

(1) أن يكون لديك قواعد و أسس علمية عميقة و ليس مجرد عدم اقتناع أو عدم فهم لمسألة أو رواية . . فتجعل عجزك عن الفهم حكما عقليا , و نقص علمك مرجعا للمحاججة . .
إن عدم اقتناعك في ميزان العلم ليس بشيء ,
فكما أنك أنت لم تقتنع . . هناك غيرك الكثيرون ممن اقتنع لا سيما من أصحاب العقول و العلم و النفور من التقليد الأعمى . .
فأي القتاعتين و أي العقلين  يكون مرجعا ؟؟

إنك كما لا ترضى أنت عقولهم و قناعاتهم مرجعا بل و تسفهها , فإنهم يرون عقلك سفيها و لا يرضونه لا سيما و أن جهلك لا يخفى على أحد و تسولك على موائد أعداء الإسلام معلوم  . .

(2) أن تتم مناقشة و دراسة كل حديث أو قضية على حدة , و إذا ما وصلت أنت فيها - بالعلم و ليس الهوى - إلى أنها خطأ , فلا تسحب و تعمم هذا الحكم على كل كتب الأحاديث أو كل المحدثين أو كل كتب ما تسميه التراث . . مستغلا أن جماهيرا تقف أمامك فاغرة أفواههها يسيل منه اللعاب في انتظار تكليف جديد يتحللون منه . .

كما لا يسوغ لك ذلك لا علما و لا عقلا و لا خلقا أن تسب أئمة العلماء عبر تاريخ الإسلام , و تطعن في نياتهم و أحدهم كتب مئات الأسفار من علمه لو قضيت مئات الأعوام من عمرك ما كنت لتكتب واحدا منها وواقعك يشهد .

(3) مرة أخرى لنفترض أنه بعد البحث و الدراسة الموضوعية المبنية على أسس العلم و ليس الوهم  ثبت لك أن البخاري ( أو غيره ) أخطأ في عدد حديث أو مسألة ما , فالعقل يقول :
أولا / ( و مرة ثانية ) يبقى الحكم بالخطأ خاصا بهذه الأحاديث أو المسائل فقط و ليس بكل ما كتب البخاري أو غيره , فضلا عن أن تفقد أبسط قواعد العقل  المنطق و اليقظة لتعمم هذا على كتب التراث .

ثانيا / تبقى بقية الأحاديث و المسائل العلمية و الكتب التي لم تدرسها و التي أجمع الدارسون من العلماء - الذين لا يتركون شاردة و لا واردة من الأخطاء إلا انتقدوها و محصوها - تبقى على صحتها إذا حكموا بصحتها على أسس علمية بعيدا عن التقليد صحيحة , حتى و إن لم تفهمها انت أو تقتنع بها .

و يبقى الحال على ماهو عليه حتى تدرسها أنت و تثبت بالعلم و ليس الوهم عكس ذلك . .

بل و حتى إن فعلت أنت بم بدا لك فلا تنتظر أن نسبح بحمد رأيك  الذي و صلت إليه , بل لابد أن يخضع للنظر إلى مجهودك و استدلالاتك بمقارنة مجهودات المتمكنين من أهل العلم و يحكم بالموضوعية لأي منكما . . بالعلم لا بالهوى . . و غالب الظن أن الحكم ليس في صالحك

( و إن شاء الله للحديث بقية )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق