في الفترة الأخيرة لاحظت تطور غير حميد على مستوى خطاب النخب المصطنعة , حيث انتقل الرفض من مصطلح الدولة الدينية , إلى رفض مصطلح ( الحكم الإسلامي ) .
بدأ هؤلاء المدلسين يستغلون جهل قطاعات عريضة من الناس بالاصطلاح السياسي فيلصقون إصطلاح الدولة الثيوقراطية بتحكيم الشريعة الإسلامية (( لاحظ أن ترجمة هذا الاصطلاح الصحيحة الدولة اللاهوتية أو الإلهية و ليس " الدينية " )) و منها اشتقت كلمة theology و هو اللاهوت .
و الدولة الثيوقراطية ( التي يسمونها الدينية ) هي تلك الدولة التي يحكمها إله أو آلهة [ راجع موسوعة الدين و الأخلاق بالصورة التالية ] أو مفوض من قبل الإله , و من ثم فالحاكم فيها هو إنسان متأله أو نصف إله أو مفوض من قبل الإله , فهو من يضع الشرع , أي أن قانونه هو الشريعة , يغيرها متى شاء و ارتأى بما يخدم هواه , ظلمه عدل , و لا تجوز مناقشته أو مراجعته أو محاسبته . . و هو مايسمى في اصطلاحاً ( الحق الإلهي ) و الذي يختلف جملة وتفصيلاً عن ( العقد الاجتماعي ) الذي نظر للعلاقة بين الحاكم و المحكوم على أنها علاقة (( عقد )) لكل طرف فيه حقوق و عليه واجبات , و ليست علاقة عبودية طقوس أو عبودية تشريع و للحاكم المتأله أو المفوض من الإله .
 |
Hastings, James. John A. Selbie(Editor) Encyclopedia of Religion and Ethics. Montana.Kessinger Publishing .( Vol. 23, p287)
|
و من أراد أن يفهم مفهوم الدولة الثيوقراطية , فلينظر إلى دولة فرعون يوم أن قال " أنا ربكم الأعلى " , أو لينظر إلى دولة الفاتيكان منذ صبحت دولة مستقلة عن إيطاليا إثر اتفاقية لا تران 1920 .
و حينما افتضح تدليسهم , و أن هذا بعيد كل البعد عن (( الدولة الإسلامية )) , التي هي نوع خاص من الدول بذاته نستطيع أن نسميه (( دولة الحقوق و الشورى )), ليس دولة ثيوقراطية ( أو دينية ) , إذ أن حاكم الدولة الإسلامية هو أحد المواطنين العاديين و ليس بخيرهم - كما قال أبو بكر الصديق في خطبته الشهيرة - و إنما تم اختياره من قبل مجموعة من حكماء ونخبة البلاد الأمينة يسمون في الاصطلاح " أهل احل و العقد " . . ثم بايعه الناس , ليبدأ حكمه للناس و هو يعلم أن هذا (( عقد )) بينه و بين الرعية . . و أنه خادم لهم و ليس سيداً , له عندهم حق السمع و الطاعة فقط ما أمرهم بالحق . . و إن حاد عن الحق فلا سمع له و طاعة . . يناقش و يحاسب . . بل و يخلع إن تجاوز . . و ذلك بضوابط شرعية معلومة مقدماً . . ليعرف كل واحد حقه . . هذا (( العقد الاجتماعي )) الذي عرفه الإسلام قبل عدة قرون من هوبز و لوك و روسو .
و الحاكم هذا في دولة الإسلام ليس مصدراً للتشريع , و إنما هناك ((دولة القانون)) في أعظم صورها , حيث الحاكم و المحكومين جميعاً , تحت قانون مسبق معلوم غير خاضع للآراء أو التلاعب به حسب الهوى . . إنه " شريعة الله " , التي ليست من وضع بشر , و إنما هي من وضع الله .
دولة الإسلام التي علمت الدنيا مبدأ " فصل السلطات " حيث لا يعتدي الحاكم على السلطة التشريعية أو القضائية فضلاً عن أن تصبح جميع السلطات بيده , وذلك قبل أن يكون هناك" روح القوانين " , أو حتى يولد جد مونتسكيو
انظر كيف فقه هذا عمر بن عبد العزيز فقال يخطب في الناس :
" أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبي وليس بعد الكتاب الذي أنزل عليكم كتاب فما أحل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة وما حرم الله على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة ((( ألا إني لست بقاض وإنما أنا منفذ لله ولست بمبتدع ولكني متبع ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله عز وجل لست بخيركم وإنما أنا رجل منكم ألا وإني أثقلكم حملا))) يا أيها الناس إن أفضل العبادة أداء الفرائض و اجتناب المحارم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم "
أما أولئك الذين يريدون أن ينسبوا الانحراف عن المنهج إلى المنهج , فهم إما حمقى أو مدلسون خائنون لأمانة الكلمة . .و ما أجمل ما قاله شيخ فقهاء القانون في مصر , قانوني مصر الأول و الأوحد الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا رحمه الله في كتابه ( فقه الخلافة و تطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ) : " نظام الخلافة لا يمكن ان يكون مسؤولاً عن الفتن التي حدثت في الدولة الإسلامية أو عدم احترام الحكام لقواعده و أحكامه , كما أن وقوع الفتن و الخلافات ظاهرة يتسم بها تاريخ الدول جميعاً , و لا يمكن القول أن المسلمين كانوا يشذون عن هذه الظاهرة أو إنهم أخذوا بنظام آخر للحكم , في رأينا انه لا محل للزعم الخاطئ و الذي يردده كثيرون قائلين إن الخلافة كانت كانت هي مصدر المساوئ التي شهدها التاريخ الإسلامي , فالحقيقة هي أنه إذا بحثنا عن سبب الاستبداد الذي مارسته بعض الحكومات الإسلامية زمنا طويلا , فإنه لم يكن نظام الخلافة , بل هو خروج هؤلاء الحكام عن أهدافه و مبادئه "
لذلك فإنني يتملكني الإحساس بمدى تفاهة أي مدعٍ للفهم أجوف يدعو لتنحية الشريعة خوفاً من الدولة الدينية ؟؟!!!
و لا تعجب إلا مثل عجبك إن كان هذا الشخص مسلماً . . يدعي أنه مؤمن بالله , و ربما من العباد الزهاد الذين من ورعهم المصطنع يخافون أن يدخلوا الدين بطهارته في الحكم و السياسة النجسة - على حد زعمهم , و كأنهم يدعوننا بشكل آخر أن نسلم مقاليد حكم بلادنا إلى كل نجس دنس بعيد عن دين الله , يتقن النجاسة التي سموها سياسة ولا يكاد يتقي الله .
عن مثل هذا أقول . .
ألا يقرأ 17 عشر مرة في اليوم و الليلة على الأقل ,
فاتحة الكتاب في كل ركعة ؟؟
أيعي و يعرف ما يقوله و يؤمن به .. أم على قلوب أقفلها
ألا يقرأ . .
بسم الله ((( الرحمـــــــــــن ))) ((( الرحيــــــــم ))))
فيعلم أن إلهه (( الرحمن الرحيم )) , و إن ظن بعدها أن شريعة غير الله ارحم من شريعة الله , فهذا من عجائب النقص العقلي , لأنه يظن أن مشرعي البشر. . ارحم ممن خلق الرحمة التي في الدنيا جميعاً و التي يتراحم بها الخلائق , فهو ينسب للبشر كمالاً ليس في الإله الذي يعبده . . فلماذا لا يعبد هؤلاء البشر ؟؟!!
ثم يقول" الحمد لله رب العالمين " . .
ألا يفهم من مقتضى (( الحمد لله )) أننا ننسب كل الحمد له سبحانه و تعالى , فكل فعله محمود , و كل قضائه محمود , و كل ما شرعه لنا محمود . . سواءًَ ظهرت لنا الحكمة أو خفيت علينا .
فمن نسب ميزة للشرائع البشرية ليست في شريعة الله , فقد نسب للبشر كمالاً و حمداً , جعله يمتاز به عن الله .
ألم يقرأوا أنه أحكم الحاكمين ؟؟ افجعلوا حكمة البشر كحكمة الله , أو أكبر ؟؟ هذه تفاهة , لأن من يؤمن بهذا يشهد على نفسه أنه يعبد إلهاً و هو يعتقد أن هناك من هو أحكم . . فلماذا لم تعبد إذن من تعتقد أنه أحكم ؟؟
الإجابة تأتي سريعاً , كيف يعبد بشراً ؟؟ و يترك الله الذي آمن أنه خالق البشر و الأكوان كلها ؟؟
أقول . . هل من خلق الحكمة للبشر ليكونوا حكماء , يكون البشر أحكم منه ؟؟
ألم يقرأ هذا قول الله ( ألا له الخلق والأمرتبارك الله رب العالمين )
نسب لله الخلق , و نسب لغير الله الحكمة و العدل و الرحمة ؟؟!!
ثم في نفس الآية من الفاتحة بعد (( الحمد لله )) يقرأ (( رب العالمين ))
ألا يعي أن من مقتضى رب العالمين أن يتأمل كيف أن الله هو الذي يربي العالمين بما يصلح لهم حياتهم و فإذا كان ربى سبحانه الدواب على ما يصلح حياتها , فكيف بالإنسان سيد عمار الأرض .
فالله علم أسراب الطيور مسارات الهجرة التي يحتاج الطيار ذو العلم و العقل إلى الاتصال بابراج المراقبة و الأقمار الصناعية و أجهزة تحديد الاتجاه و الاتصالات لتحديدها بعد أن يكون قد قضى دهراً من عمره في الأكاديميات و الاستذكار .
و علم الطفل الذي لم يعرف بعد معنى العقل أن يمتص اللبن من ثدي أمه , و لو أجتمعت كل أكاديميات العالم لتعليمه ذلك , ما نجحت , و ما نجحوا أن يوصلوا إليه أن يجب عليه أن (( يمتص )) ثدي أمه ليتغذى .
و غير ذلك كثير . .
أمن يربي خلائقه بهذا , ألا ينزل لهم ضوابط تصلح بها و تنتظم بها حياتهم , حتى و إن لم تفهمها عقولهم , و لم تدرك الحكمة منها , كما لم يفهم الطفل الصغير الحكمة من امتصاص ثدي أمه ؟
لذلك أقول , إن من يطعن في الشريعة الإسلامية أو يدعو لتعطيلها بحجة حقوق غير المسلمين ( و كأن الشريعة ستظلمهم ) أو الخوف من سوء التطبيق ( و كأن القانون الوضعي لن يسئ تطبيقه أحد و سيطبقه ملائكة الله ) , من يدعو إلى هذا إنما هو شخص أجوف متناقض التفكير تافه , يؤمن بإله و يعتقد أن هناك من هو أكمل منه , ثم لا يعبد هذ الأكمل و لا يتخذه إلهاً من دون الله , لأنه يؤمن أن الله قد خلق هذا الأكمل , فكيف بمخلوق هو أكمل من خالقه في عقول الناس ؟
لذا فإنني أكون متلطفاً يوم أن أقول إن من " قلة الأدب " فضلاً عن " عدم احترام عقل و عقائد الناس " , الانتقال من الطعن المبطن , إلى الطعن الصريح في الدولة الإسلامية , فالذي يرفض الآن " الدولة الإسلامية " لأنها ستحكم بالشريعة الإسلامية , و يقول تعيدنا إلى القرون الظلامية كما قالت المدعوة فريدة الشوباشي في مؤتمر المصريون و الدستور ,هو (( طبلة )) كلما كانت أكثر فراغاً و كلما كان اضطراب العهواء و الأفكار بداخلها أكبر كلما أحدثت صوتاً أعلى .
فمسلم يدعو إلى تنحية الشريعة الإسلامية؟!! التفسير الوحيد . . مضطرب ذهنياً
لأنه آمن أن الله هو الخالق..ثم يعتقد أن خلقه أحكم أو أرحم أوأعدل منه!! . .