هذا تدبر في قول الله تعالى
" الحمد لله رب العالمين " , مصدره كتب التفاسير , لم أذكر فيه شيئا من عندي نفسي إلا ترتيبها في شكل شيق و منظم حتى تعم الفائدة , و عزوت لكتب التفسير التي استندت إليها , و ما لم أعزه لمصدره ذكرت اسم المفسر و يكون ما نقلته عندئذ هو تعليق المفسر على قول الله " الحمد لله رب العالمين "
مسائل في قول الله تعالى
( الحمد لله ) رب العالمين :
·
الحمد : هو الثناء على جميل الصفات
و الأفعال - و يكون باللسان وحده .
أي أنه ( الثناءُ على الجميل سواءً كان نعمةً مُسْداةً
إلى أحدٍ أم لا )
و قال السعدي رحمه الله (هو الثناء على الله بصفات
الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه.)
·
فائدة من كلام
الشعراوي رحمه الله :
" فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته ، ومحمود لنعمه
، ومحمود لرحمته ، ومحمود لمنهجه ، ومحمود لقضائه ، الله محمود قبل ان يخلق من
يحمده . ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد
لله .
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات
وساعات . . تعد كلمات الشكر والثناء ، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس . حتى تصل الى
قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر . ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته
نعمه لا تعد ولا تحصى ، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما : الحمد لله . "
ثم يقول " ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا
الحمد ، لان الله أنزل منهجه ليرينا طريق الخير ويبعدنا عن طريق الشر .
فمنهج الله الذي أنزله على رسله قد عرفنا ان الله تبارك
وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا . . فدقة الخلق وعظمته تدلنا على أن هناك
خالقاً عظيماً . . ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو ، ولا ماذا يريد منا .
ولذلك أرسل الله رسله ، ليقولوا لنا إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله تبارك
وتعالى وهذا يستوجب الحمد .
ومنهج الله بين لنا ماذا يريد الحق منا ، وكيف نعبده . .
وهذا يستوجب الحمد . ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا اسلوب حياتنا
تشريعاً حقاً . . فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا . . ولا يفضل أحداً على
احد إلا بالتقوى ، فكلنا خلق متساوون أمام الله جل جلاله . .
إذن : فشريعة الحق ، وقول الحق ، وقضاء الحق ، هو من
الله ، أما تشريعات الناس فلها هوى ، تميز بعضا عن بعض . . وتأخذ حقوق بعض لتعطيها
للآخرين ، لذلك نجد في كل منهج بشرى ظلما بشريا . "
·
الطبري
" الحمد لله " ثناء أثنى به الله تعالى على نفسه و في ضمنه يأمر عباده
أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله .
·
يقول الجزي :
اختلف هل أوّل الفاتحة على إضمار القول تعليماً للعباد :
أي قولوا : الحمد لله ، أو هو ابتداء كلام الله ، ولا بدّ من إضمار القول في {
إِيَّاكَ نَعْبُدُ } وما بعده .
الفرق بين الحمد و الشكر
الحمد هو الثناء (
باللسان فقط ) على المحمود لصفاته الملازمة له و أفعاله المتعدية بالخير إلى غيره
.
أما الشكر فهو الثناء ( بالقلب و اللسان و الأركان ) على الأفعال المتعدية بالخير
لغيره فقط .
أفادتكم النعماء
منّي ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبّا
والحمد نقيضه الذمّ ،
والشكر نقيضه الكفران
·
لذا فالثناء
أعم من حيث السبب و الابتداء:
لأن الحامد ( مثن بالصفات و شاكر للأفعال ) و
أعم من حيث الابتداء ( فهو يكون سببي إذا كان بسبب نعمة أو ثناء ابتدائي وربما كان
ذلك استجلابا للنعمة كما هو الحال عند الثناء الله قبل الدعاء ) .
و من تدبر عموم الحمد لله وجد أنه قول ( الحمد لله ) قول
غاية في البلاغة لأنه :
1- يقتضي الثناء عليه بكل أسمائه الحسنى ما علمنا منها و ما لم نعلم و
صفاته العلى .
2- يسع شكر الله والثناء عليه بكل نعمه ورحماته التي
أنزلها على العبد خاصة و على كل الخلق عامة , سواء كنت دينية أو دنيوية أو أخروية
.
و ربما غير ذلك كثير و الله أعلم
( يقول بن الجزي: فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه
المجلدات ، واتفق دون عدّهَ عقول الخلائق ، ويكفيك أن الله جعلها أوّل كتابه ،
وآخر دعوى أهل الجنة .)
·
أما الشكر فأعم
من حيث الآلة :
أي وسيلة الثناء
فالشكر أعم ( لأن الشكر يكون باللسان مثل الحمد بالإضافة إلى الشكر بالقلب و
الجوارح ).
يقول بن جزي :
النعم التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، ولكنها تنحصر في
ثلاثة أقسام :
1-
نعم دنيوية : كالعافية والمال .
2-
نعم دينية : كالعلم ، والتقوى .
3-
ونعم أخروية : مثل الجزاء بالثواب
الكثير على العمل القليل في العمر القصير .
الفرق بين الحمد و المدح
الحمد متعلق
بالأحياء , بينما المدح قد يتعلق بالأحياء أو الجمادات
( فتقول مثلاً
مدح السائق سيارته , و لا تقول حمدها ) .
مناظرة بين الطبري من جهة و ابن كثير و القرطبي من
جهة
يرى الطبري أن الحمد و المدح ينزل كل منهما مقام الآخر , أي أنهما مترادفان
.
ابن كثير :
يرد على ابن جرير الطبري في مسالة إنزال الحمد محل الشكر و العكس بأن فيه
نظر و أرجع ذلك إلى ما حرره المتأخرون بأن :
الحمد هو الثناء ( باللسان ) على المحمود لصفاته اللازمة و المتعدية .
أما الشكر فهو الثناء ( بالجنان و اللسان و الأركان ) على الصفات المتعدية فقط .
أي أن بينهما علاقة عموم و خصوص .
القرطبي :
قال القرطبي : وما ذهب
إليه الطبري ليس بمرضي ، لأن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ،
والشكرُ ثناءٌ على الممدوح بما أولى من الإحسان ، وعلى هذا يكون { الحمد } أعمّ من
الشكر .