قرأت على شبكات التواصل ردودا كثيرة ( شديدة الجهل و الجهالة ) على مقال الدكتور راغب السرجاني و الذي يدور حول النصوص الدالة على تحريم الخروج على الحاكم المسلم و إن ظلم . .
و رغم أنني من المنادين بشكل حاسم بحرمة الخروج عى الحاكم . . إلا أنني لم أكن قد قرأت المقال بعد . .
فذهت للبحث عن المقال و قرأته . . و هذا رابط المقال و هو بعنوان ( و الله أعلم بالظالمين )
و رغم أنني من المنادين بشكل حاسم بحرمة الخروج عى الحاكم . . إلا أنني لم أكن قد قرأت المقال بعد . .
فذهت للبحث عن المقال و قرأته . . و هذا رابط المقال و هو بعنوان ( و الله أعلم بالظالمين )
و هذا تعليقي على المقال (( الرائع ))
فبين المقال و من هاجموه بمنتهى عدم الإنصاف . . وقع في قلبي هذا المعنى . .
يقول الله عز وجل :
" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "[آل عمران : 7]
يقول بن كثير في تفسير الآية : " يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس "
إن هناك نوعين من المسلمين :
فالأول / هو يذهب إلى القرآن و السنة باحثا عما يؤيد به هوى مسبقا في نفسه و علامته أنه يضرب نصوص الوحي بعضها ببعض . . و يلوي أعناق الكلمات . . ليجد في وسط الزحام ما يثبت به قوله . .
و مثله يذكرني بالذين قال الله فيهم " فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله "
و الثاني / يذهب إلى القرآن و السنة ليستقي منهما ما جاء فيهما , و يتعلم عنهما , و يسمع و يطيع ما جاء و إن خالف هواه . .
و مثله يذكرني بالذين قال الله فيهم " يقولون آمنا به كل من عند ربنا "
فالأول هو مسلك أهل البدع و الأهواء . .
و الثاني هو مسلك الصحابة و التابعين و تابعيهم . .
و هذا ردي على من ينتقدون الدكتور لمجرد أنه كتب ما يخالف هواهم :
(أولا ) اقرأ هذه الأية و الأحاديث و تلقى مافيها بتأمل :
لكن قبل أن تقرأها اقول لك :
إن من قلة الأدب مع الله و رسوله أن تسيء الظن بأمر لله أو لرسوله لم تفهمه , فتكره ما أمر به الله و رسوله و تؤثر علهما عقلك و هواك . . فاقرأ و تدبر و تريث . . فالله و رسوله لم يأمرا إلا بما فيه الخير و إن جهلته . .
1/ " و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم " - قرآن كريم
2/ " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر "
3/ " عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في مَنْشَطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وألا ننازع الأمر أهله. قال: "إلا أن تروا كفرا بَوَاحا، عندكم فيه من الله برهان" "
رواه البخاري
رواه البخاري
4/ « على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » رواه البخاري
5/ «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع. قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا»
رواه مسلم
رواه مسلم
(ثانيا ) عقيدة جمهور أهل السنة و الجماعة على حرمة الخروج على الحاكم الظالم :
الأئمة الأربعة و كل علماء السلف على حرمة الخروج على الحاكم الظالم المسلم
(ثالثا) هل هذا تكريس لسلطة الحاكم كما يروج البعض ؟ و هل هو مناف للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ؟
الآيات و الأحاديث تجيب على هذا السؤال . .
فليس هذا تكريسا للظلم و لا تقديسا للحاكم . . فهذا من سوء الأدب مع الله و رسوله أن تظن هذا . .
و إلا لما كان
" أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . .
و إلا لما أمرت بكره ما يأمرون به من منكر و عدم متباعتهم أو الرضا به و نحو ذلك . .
فلماذا لا تظن بهذه النصوص - و الله أعلم بحكمته - لأن هذا أن تغيير المنكر ( ظلم الحاكم ) بمنكرات أعظم منه ( سفك الدماء - الاقتتال بين المسلمين - انتهاك الحرمات - هتك الأعراض - تدمير بنية دولة الإسلام - زيادة عرضتها للانهزام أمام الكافرين )
لأن الإسلام يقدم حرمة الدماء و الأعراض التي قطعا ستنتهك أضعافا مضاعفة بالخروج على الحاكم المسلم الظالم ؟؟!
فبدلا من أن تكون المظلمة ( جلد ظهر أو أكل مال ) . . تصبح المظالم أنهارا دماء و انتهاك أعراض النساء . . و حرمات تنتهك و أمة تضيع . .
كيف يدعي عاقل أنه خرج من أجل مظلمة عشرة افراد جلدوا أو طلموا أو قتلوا . . و هو يعلم أنه في خروجه هذا سوف يقتل (( ألف )) و يسجن (( آلاف )) و تغتصب آلاف و تنتهك أعرضهن ؟؟
إنهم جعلوا نفسهم أحكم من الوحي . .
إن عمر السلطان الجائر في سنوات معدودة لا تذكر في أعمار الأمم . . فيصلحه الله إن شاء أو و يهلك بانقضاء عمره . .
أما عمر الضياع و الدمار و الثارات و الدماء التي يخلفها الخروج عليه . . فيعيد الأمة عقودا للوراء . . و يدمر قوتها و يجعلها كلأ مستباحا أكثر مما صارت إليه .
يقول ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم و الحكم
(( ..... وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . . نعم إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره ومع هذا متي خاف على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو النفي أو أخذ المال أو نحو ذلك من الأذى سقط أمرهم ونهيهم وقد نص الأئمة على ذلك منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم قال أحمد لا يتعرض إلى السلطان فإن سيفه مسلول ))
لقد أدهشني أن بعض الردود ادعت أن هذا اجتهاد الدكتور راغب السرجاني !!!!
سبحان الله . . هذا إجماع جمهور أهل العلم من أهل السنة و الجماعة .
و هذا ما تدل عليه الآية و الأحاديث من غيرلي اعناق تفسيرها . .
و لكن البعض يأتي ليستخدم حديث ( كلمة حق عند سلطان جائر ) لا ليضعه في سياقه المذكور آنفا و هو أنها (( كلمة حق )) و ليس حمل سلاح أو دعوة للخروج المنهي عنه شرعا . . و تكون ((عند سلطان جائر )) و ليس عند الجموع لتأليبها على الخروج على السلطان بما يصاحبه من مفاسد هي في أغلبها للأمة و ليست للسطان , فلا تزيد السلطان إلا تجبرا و لا تزيد الأمة إلا قهرا و مظالم .
يردون بهذا الحديث الآية و بقية الأحاديث . .
رغم أن معنى الحديث واضح . .
و لا يصطدم مع بقية الأحاديث لكنه منهج من آثر هواه على النصوص المحكمات .
(رابعا ) التاريخ يشهد بحكمة تحريم الخروج عل الحاكم المسلم و إن ظلم :
إن دراسة إحصائية بسيطة تثبت أن الغالبية العظمى من الثورات و الخروج على الحكام عبر تاريخ البشرية , لم تنجح إلا في زيادة قوة و شراسة و ظلم الحاكم و قهره لمحكوميه .
و إن ما نجح من هذه الثورات و الخروج على الحاكم , أغرق الأمم التي حدثت فيها لما يقارب القرن من الزمان أحيانا في بحار من الدماء و اانتهاك الأعراض و عصور الظلم و الظلام لم تستفق منها بسبب الثورة , أبدا , و إنما بسبب ان الناس كرهوا هذه الحياة الخطيرة المدمرة , فقرروا أن يذهبوا طواعية نحو الاتفاقات و التصالحات الداخلية حتى يخرجوا من حياة الغاب التي ساموها , و على راس هذه الأمثلة الثورة الفرنسية .
و في تاريخ الإسلام لم تنجح عملية خروج واحدة أعلمها , و إن وجدت فقلة عددها أدعى لعد م تذكرها و عدم ذكرها .
و حتى لو أتى الخروج على الحاكم بنتائج سريعة في حالة أو حالتين , فالتشريع في الإسلام يعتمد على النصوص , و ليس على البراجماتية التي تنظر للنتائج فقط .
فلو أن أحدهم ربح مليون دولار في مقامرة . . أنقول أنستدل بهذا على جواز الميسر ؟؟!!!
(خامسا ) شهادة التاريخ و الواقع :
كما قلت آنفا . . إن عمر السلطان الجائر سنوات معدودة لا تذكر في عمر الأمم . . و يهلك أو يصلحه الله إن شاء . .
فمع رفضي للتجربة التركية لأسباب ليس هذ مقامها . . و لكن تأمل تصرف نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه في تركيا بعد أن فاز في الانتخابات البرلمانية . . و شكل الحكومة التركية باغلبية ساحقة . . ثم حدث معه إنقلابا عسكريا في تركيا . . وتم حل حزب الرفاة . . و قبض عليه هو كل قيادات الحزب بعد أن جاءت بهم انتخابات . .
ثم انظر إلى مآلات ذلك .
لقد رفض نزول الشباب إلى الشوارع بتظاهرات و اعتصامات و نحو ذلك رغم ما له من شعبية كاسحة جارفة , و آثر أن يقبض عليه و على عشرات من قيادات الحزب , و أن يحل حزبه , بدلا من أن ينزل شبابه للتظاهر و الاعتصامات , و يقال أنه قال لهم ما معناه لا أدفع شباب الحزب للقتل و السجن . .
و كان من جيل هذا الشباب في تركيا . . رجب طيب أردوغان . .
سكتوا . . ليس رضا بالذل و الضعف . . و لكن من أجل أن يغيروا بحكمة . .
فليس هذا سكوت إقرار . . و لكن لأن المنكر لا يغير بمنكر أعظم منه , بدعاوى حنجورية
قارن هذا بالمصير المعتاد للمظاهرات و الاعتصامات و الذي علمنا إياه الواقع في غير بلد من البلاد . . أنهار دم . . آلاف تقتل . . عشرات الآلاف تيتم و ترمل . . عشرات آلاف تعتقل . . نساء تغتصب . . يخج من الحاكم اسوأ من عنده من بطش حفاظا على كرسيه . .
ثم بعد كل ذلك يجبرون تحت وطأة الخسائر الفادحة على الرضا بالأمر الواقع . . و لكن بعد أن ساقوا الأمة إلى ضياع فوق الضياع . . و ضعف فوق الضعف . . و عداوات و ثارات .
( خامسا ) تخيل معي :
رجل يسير بزوجته في مكان منقطع عن الناس خرج عليه قوم سوء سكارى , فغازلوا زوجته , فقال لها هلمي بنا نمر مرور الكرام حتى نصل مأمنا لك , فقالت له و يحك ما أضعفك , فأخذته الحمية الحنجورية فذهب يسبهم و يضربهم , فتكاثروا عليه , و اغتصبوها أمام عينه الواحد تلو الآخر .
فأي شجاعة تلك ؟؟!!
و أخيرا . .
طب نفسا بالوحي و آثر ما وصلك منه على هواك فهو ارجى للصواب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق